الجزائر | ثبّت المجلس الدستوري الجزائري النتائج الرسمية بخصوص الانتخابات التي شهدتها البلاد في العاشر من الشهر الجاري، رغم أن الأرقام التي أعلنتها وزارة الداخلية أعطت نتائج لا يقبلها الّا من استفادوا منها ولم يفهمها الّا من صمّموا قانوناً وصفه الكثيرون بالأعمى. دليل هذا الوصف ينبع من أن 27 حزباً ومئات من القوائم المستقلة اندفعت للمشاركة في انتخاب من دون إدراك عواقب القصور القانوني، ففي انتخابات الجزائر يمكن الحصول على غالبية تمكّن مجموعة سياسية ما من السيطرة على الحكومة والتشريع، فقط إذا نالت 17 في المئة من أصوات الناخبين.
هذا القانون ربما تنفرد به الجزائر عن سواها من البلاد التي تجري بها انتخابات. واذا وقفنا عند بعض الأرقام يبدو لنا اللامنطق جلياً، فجبهة التحرير تصدّرت أصوات ما مجموعه 1.3 مليون ناخب من مجموع 9.4 ملايين مقترع، من دون احتساب الممتنعين وعددهم يزيد على 12.4 ملايين. وهذا يعني أن واحداً فقط من بين كل سبعة مقترعين اختار الجبهة، مع ذلك حصدت 221 مقعداً، أي ما يقارب نصف المقاعد المتنافس عليها وعددها 462. أما قوائم المستقلين فقد حصدت أكثر من 670 ألف صوت، أي أكثر من نصف عدد المصوّتين على جبهة التحرير، ولم تنل غير 19 مقعداً. ومن المفروض، منطقياً، أن تنال هذه القوائم نصف عدد المقاعد التي نالتها جبهة التحرير، لكن الفرق بين الجانبين يزيد على 200 مقعد. وكسبت جبهة القوى الاشتراكية 21 مقعداً بمجموع 188 ألف صوت فقط.
هذا الوضع غير الطبيعي رافق كل انتخابات الجزائر، ففي الانتخابات المُلغاة عام 1991 نالت جبهة الانقاذ 182 مقعداً، في الدور الأول، من أصل 3 ملايين صوت، ونالت جبهة التحرير الوطني 16 مقعداً من 1.5 مليون صوت، ويفترض هنا ايضا ان يكون الرقم الأخير نصف الأول. ونالت القوى الاشتراكية 26 مقعداً من نصف مليون صوت فقط. ومع الحديث الطويل العريض للرسميّين عن التجربة الانتخابية في الجزائر، إلّا أن الواقع اثبت انه حتى الآن التمثيل صوري في البرلمان الجزائري ولا يخضع للواقع.
وما زاد أرقام بعض القوائم هو تطبيق مادة النسبة الاقصائية، وهي تجريد كل قائمة من اصواتها ان لم تجمع 5 في المئة من مجموع الأصوات المُعبّر عنها، وهذه النسب القليلة لا تُشطب من الحساب، بل تضاف ببساطة الى القوائم الكبيرة التي تجاوزت 5 المئة لتصبّ في وعاء غير الوعاء الذي أراده أصحابها.
لقد تجدد سيناريو السنوات الماضية في انتخابات الجزائر، فقد خرج المصوّتون بالورقة البيضاء (محايدة او عدم اختيار اي قائمة) وهم الأكثرية بالمقارنة مع الأحزاب والقوائم.
وصوت بـ«الملغاة» 1.704.047 ناخباً، وهم الذين لم يقبلوا أياً من القوائم المعروضة وصوّتوا فقط للتعبير عن حسّهم المدني وتأييد الممارسة الديموقراطية مقابل 1.324.363 ناخباً على القائمة الفائزة بـ221 مقعداً. ولو اعتمد القانون مادة تشير الى ان «الرافضين للجميع» يشكلون قائمة انتخابية يمكنها ان تلغي الانتخابات لألغيت هذه الانتخابات وسابقتها ايضاً.
وبالنظر إلى هذه التناقضات التي أثيرت في الصحافة وتناولها الشباب، وخصوصاً على نطاق واسع، في دردشاتهم وتعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يتمكن حتى أتباع جبهة التحرير والتجمع الديموقراطي من ايجاد تبريرات للنتائج، الا الاعتراف بثغر قانونية كرّست اللا معقول. واعاد هؤلاء الشباب ترتيب الفائزين مزيجاً بين الأرقام الواقعية والكاريكاتير كالتالي:
1 ـ حزب الممتنعين عن التصويت: 12306815 ـ بلا مقاعد ـــ 58 في المئة
2ـ حزب «لا» للجميع : 1.704.047 ـ صوتوا بأوراق بيضاء لا يحتاجون إلى مقاعد ــ نحو20 في المئة
3 ـ جبهة التحرير الوطني: 1.324.363 ــ 221 مقعداً ــ نحو 16 في المئة
4 ـ القوائم المستقلة: 671.190 ـ تشغل 19 مقعداً.
ويرى خبير قانوني أن أهم ما يمكن فعله لتفادي تضخيم القوائم الكبيرة على حساب الصغيرة هو تأسيس أقطاب تجمع ثلاث الى اربع دوائر انتخابية تجمع بها أصوات القوائم التي لا تصل الى الحد الأدنى المسموح به في كل واحدة من هذه الدوائر، وتُحسب لتفرز مقعداً أو اثنين على مستوى القطب. والاختيار الثاني هو تحويل البلد الى دائرة انتخابية واحدة واحتساب النسب أو تقسيمها الى ثلاث او اربع دوائر فقط. لكن هذا مجرد اجتهاد فقد تظهر فيه ايضاً ثغر وربما تطلب الأمر خبراء ودراسات مُعمّقة لتجاوز معضلة التمثيل في البرلمان الجزائري.