الرئيس الأميركي يأمر بالقتل وطائرات الـ«سي آي إي» تنفّذ. بين العراق، وأفغانستان، وباكستان، واليمن والصومال، تتكدّس جثث المسلحين والمدنيين العزّل، تحت شعار «القضاء على ما تبقّى من القاعدة»، وسط صمت دولي منفّر. منذ عام ٢٠٠٩، أعطى باراك أوباما أوامره لـ«قصف المجموعات البشرية التي يعتقد أنها تنتمي» الى تنظيم «القاعدة»، باستخدام طائرات من دون طيار وبالتعاون مع «وكالة الاستخبارات المركزية» وتحت إشرافها. لكن تلك الطائرات «الذكية» لم تميّز بين مجموعات مسلحة تخطط لـ«تهديد الأمن القومي الاميركي»، ومجموعات مدنية تحتفل بعرس أو تحتشد في مأتم أو تتجمّع لتفقّد ضحايا الاستهداف الاول في محاولة لإسعافهم، فقتلت هؤلاء أيضاً.
والتصريحات الرسمية الاخيرة تعترف بأنه «في أغلب الاحيان لا يمكننا التعرّف إلى الأهداف التي نصفّيها»!
والنتيجة، قتل نحو ٣ آلاف عسكري ومدني في الدول المذكورة خلال عهد «رئيس الأمل» الاميركي، وبقي مئات القتلى المدنيين غير محددي الهوية بعد. أما الرئيس المكافأ بجائزة نوبل للسلام، فصادق أخيراً على مهمات قتل جديدة في اليمن ووسّع نطاق عمل الطائرات، بالتالي فإن أعداد الضحايا في مختلف الدول المستهدفة الى ازدياد. والإعلام «المهني» الاميركي لا يزال متردداً باتخاذ موقف واضح وشاجب لتلك العمليات الوحشية فينقسم، كما هم السياسيون، على «أخلاقيات» استخدام الطائرات من دون طيار لتنفيذ التصفيات البشرية وعلى «ضرورتها» وشرعيتها من أجل حماية الأميركيين.
حصيلة القتلى المدنيين الجديدة الاسبوع الماضي في اليمن أدّت الى تحريك بعض الصحافيين الاميركيين لطرح أسئلة حول جدوى تنفيذ تلك العمليات، ومدى أخلاقية ما تقوم به الادارة الاميركية خارج الحدود، فيما حذّر البعض الآخر من أن عمليات القتل المتكررة تلك لن تؤدي سوى الى زيادة كره الاسلاميين للولايات المتحدة وتصميمهم على أذيّتها. فكان السؤال: إذا كانت عمليات الطائرات من دون طيار مفيدة فلماذا يزداد عدد ناشطي «القاعدة» في أكثر البلدان المستهدفة بالتصفيات؟
«اذا كرهت إدارة جورج والكر بوش أحدهم كانت لتخطفه وتضعه في غرف التعذيب. أما اذا قررت إدارة باراك أوباما أنها لا تحب بعض الاشخاص فهي تقتلهم»، بهذه البساطة المباشرة حاول المفكّر والكاتب نعوم تشومسكي أن يلخص ما تعتمده الادارة الاميركية الحالية من قتل متعمد وممنهج لعدد من الأفراد في بعض البلدان، مبدياً استياءه الشديد من الأمر. وعن استهداف الاسلاميين وتصفيتهم قال تشومسكي، في مقابلة مع موقع «ديموكراسي ناو»، إن المسؤولين الاميركيين يتصرفون «كمن يتعمّد زيادة خطورة التهديد تجاههم».
وفي محاولة لشرح ماهية تلك الضربات ومدى اختراقها للقوانين الاميركية والدولية، كتب بيل كويغلي على موقع «كاونتر بانش» مقالاً يعرض فيه خمسة أسباب تؤكد عدم شرعية العمليات التي تستخدم الطائرات من دون طيار طارحاً سؤال «لماذا تعتبر تلك العمليات مخالفة للقانون اذا نفذت داخل الاراضي الاميركية بينما هي شرعية خارج حدودها؟».
بداية يشرح الكاتب أن هناك نوعين من الهجمات التي تنفذ بواسطة الطائرات من دون طيّار: النوع الاول ويسمى «الضربات التي تستهدف الشخصيات» ويكون أهدافها «قادة إرهابيين معروفين»، و«الضربات التي تستهدف أشخاصاً يعتقد أنهم محاربون لكن هوياتهم غير معروفة»، وهي الضربات التي تنفذها «سي آي إي» اليوم. كويغلي يعرض أرقاماً من تقارير حول العمليات المنفذة في باكستان إذ بلغ عدد الهجمات الجوية حوالي ٢٩٧ أدت الى سقوط أكثر من ١٨٠٠ قتيل من بينهم أكثر من ٤٠٠ شخص لم يكونوا من المحاربين. الكاتب يشير الى تصريحات حول «صعوبة استهداف أشخاص معينين في تلك العمليات، لذا تسجل في كل هجمة أعداد من القتلى المدنيين أو المحاربين العاديين وليس القياديين». وعن مخالفة تلك العمليات للقوانين الاميركية وقوانين الامم المتحدة والقوانين العسكرية، يحسم كويغلي أن «تلك هي عمليات قتل متعمّد لمجموعات بشرية منها مدنية وهي جريمة يعاقب عليها القانون».
أدام سوير يشرح على موقع «موذر جونز» «ما لن يقوله مدير مكافحة الارهاب في إدارة أوباما عن عمليات الطائرات من دون طيار»، مشيراً الى أن الطريقة التي تعتمدها الادارة الاميركية حالياً في «استئصال الورم السرطاني» كما وصفه جون برينان «ستقتل المريض بالتأكيد» ولن تشفيه!
وزيرستان العرب
«الحرب الاميركية الثالثة» هكذا سمّاها الصحافي ميكا زينكو في تعليقاته السابقة، وفي مقاله الأخير على موقع «مجلس العلاقات الخارجية»، يقول زينكو إن تلك الحرب «تتصاعد بشكل سريع في سماء اليمن، بعدما أعطيت «قيادة العمليات المشتركة» و «سي آي إي» الإذن بتنفيذ عمليات أوسع ضد كل الأشخاص المجهولين المشتبه في انتمائهم الى تنظيم «القاعدة» ودعمهم له».
وعن هجمات اليمن الاخيرة، يشير الصحافي الى أن الشهر الماضي فقط سجّل نسبة عمليات أكثر من تلك التي نفذت خلال الأعوام التسعة الماضية (مسؤولون يمنيون قدّروا العدد بهجمتين يومياً منذ منتصف شهر نيسان).
زينكو يقارن بين قول أوباما إن «الولايات المتحدة واليمن سيتعاونان من أجل تصفية أو توقيف حوالي ٢٤ شخصاً من أخطر ناشطي القاعدة» وبين تصريح مستشاره لمكافحة الارهاب جون برينان بأن «القاعدة في الجزيرة العربية تضم أكثر من ألف عنصر... ولن نرتاح حتى القضاء عليهم في أفغانستان وباكستان واليمن وأفريقيا وباقي المناطق». وهنا يردف الكاتب، «إذا كان هدف العمليات تصفية ٢٤ قيادياً في القاعدة، ألا يجب أن تكون قد أوشكت على الانتهاء؟ أما اذا اعتمدنا على كلام برينان فهذا يعني أنه بقي أكثر من ٩٥٠ شخصاً للقتل أو التوقيف، هذا اذا لم نحسب المنضمين الجدد الى التنظيم!». زينكو يلفت أيضاً الى أن العمليات الاميركية يبدو أنها لا تفرّق بين المجموعات المسلحة التي تحارب الرئيس اليمني الحالي ونظامه وبين عناصر «القاعدة»، فالكل على لائحة التصفيات.. زينكو يضيف أنه «لعل الدرس الاهم الذي يجب استخلاصه من مئات الهجمات التي نفذت في باكستان هو أن أشرس المعارضين لعمليات السي آي إي وأشدّهم حماسة يظهرون أكثر في المناطق التي لا تنفذ فيها تلك العمليات».
جايمس تروب في «فورين بوليسي»، وجوشوا فوست في «ذي أتلانتيك» تحدثا عن «ردّ الفعل المضاد» الذي ستخلقه عمليات الطائرات من دون طيار. الكاتبان يبيّنان أن معظم البلدان التي نفذت فيها تصفيات لنشطاء في «القاعدة» بواسطة الطائرات من دون طيار شهدت تزايداً في عدد العناصر والناشطين في التنظيم. فوست يقول إن «عملية مكافحة الارهاب في اليمن بشكلها الحالي ليست ناجحة، لأنه الى جانب الأشرار الذين يقتلون هناك مدنيين كثر يذهبون ضحية تلك الاستهدافات». وفيما يبرر تروب بأن «لا عمليات عسكرية من دون سقوط ضحايا»، يشير الى كثافة الهجمات التي تنفذ في اليمن وينبّه في الوقت عينه من خطر أن «نكون بصدد خلق محاربين في القاعدة أكثر ممن نقوم بتصفيتهم هناك». وفي هذا السياق، أشار الرئيس السابق لمركز مكافحة الارهاب في «وكالة الاستخبارات المركزية» روبرت غرينيير، إلى أن «استخدام الطائرات من دون طيار في اليمن قد يكرّس المحاربين أعداءً للغرب». غرينيير لفت الى خطورة تحويل اليمن الى «وزيرستان العرب» ونبّه من «تزايد عدد اليمنيين الذين سيتحوّلون الى التطرف والعنف ردّاً على الهجمات الاميركية على أراضيهم وبحق مواطنيهم».



ضربات استلحاقية

يقوم «مكتب الصحافة الاستقصائية» البريطاني برصد أعداد وأسماء القتلى المدنيين الذين يسقطون بسبب هجمات الطائرات من دون طيار في مختلف البلدان المستهدفة. وفي آخر تقرير له، يشير المكتب الى سقوط نحو ١٢ مدنياً في هجمتين جويتين على جعار في أبين اليمنية. ويوضح التقرير أن هجمة ثانية تسمى «استلحاقية» وقعت بينما كان المدنيون يعاينون المكان ويحاولون إسعاف المصابين. المكتب الصحافي البريطاني والصحافي غلين غرينوالد على موقع «صالون» قاما برصد «الضربات الاستلحاقية» وبيّنا خطورتها وهمجيتها، فيما قال البعض إنها تحدث عمداً.
الصحافي كريس وودس من «مكتب الصحافة الاستقصائية» يلوم الصحافة السائدة لعدم التوقف عند المدنيين الذين يسقطون في هجمات الطائرات من دون طيّار ويشدد على ضرورة ذكر أسماء هؤلاء المدنيين. وودس يلفت الى أن الـ«سي آي إي» وأجهزة الاستخبارات الاميركية هاجمت المكتب الصحافي البريطاني منذ أن بدأ بنشر أسماء الضحايا المدنيين وتعدادهم، واتهمته بـ«التعامل مع القاعدة»!