دمشق | السنة الماضية كانت الأقسى على الشباب في سوريا، فالسنوات التي مضت كان الضغط الأكبر عليهم هو سوق العمل، حيث كان كل قرار في البقاء في البلد أو الهجرة يرتكز على نسبة حصولهم على الوظيفة عن طريق دراستهم أو «وساطة»، وعند عدم حصولهم يبدأ التفكير بالهجرة والبحث عن عمل، وخصوصاً من الشباب الذين عليهم تأدية الخدمة العسكرية، فيتجهون خصوصاً إلى دول الخليج لتمضية خمس سنوات والعودة لدفع بدل الخدمة. هذه السنة حملت الكثير من التحديات، من دخول السياسة في حياة الشباب إلى الأزمة الاقتصادية والعنف المنتشر في مختلف المناطق بنسب متفاوتة.
ريما، موظفة في شركة خاصة تعمل منذ سنتين. في الأسبوع الماضي، تم تسريحها من عملها مع خمسة أشخاص، تتحدث إلى «الأخبار»: «كنت أتوقع أن يحدث هذا الأمر، فنسبة الزبائن تراجعت». تكمل حديثها، وفي كلماتها حزن كبير، «أحاول دائماً الهروب كلما فكرت بأنه يمكن التخلي عني، لكن الصدمة كبيرة حين قابلت المدير وأخبرني بالقرار. بالنسبة إليّ حياتي ستأخذ منحى ثانياً، فكل الأبواب بالنسبة إليّ مغلقة، لا أدرك أين عليّ التوجه في هذه الظروف الصعبة».

يشار إلى أن نسبة العاطلين من العمل، بحسب المرصد الوطني لسوق العمل، «بلغ 90 ألف عامل مسرّح، مسجلين في التأمينات الاجتماعية وغير المسجلين أكثر بكثير، والسبب هو البطء الاقتصادي الذي تمر به البلاد وإغلاق بعض المستثمرين منشآتهم ومعاملهم».
الهجرة فكرة ليست جديدة على الشباب السوري، لكنها هذه السنة فرضت نفسها بقوة، أحمد تخرج السنة الماضية من كلية الحقوق، فكرة الهجرة كانت غير واردة لديه، «لم يكن موضوع الهجرة في مخططاتي المستقبلية، بل كنت أدعو في كثير من اللقاءات الشباب إلى عدم الهجرة، لكن للأسف أنا الآن لا أفكر بالهجرة لأسباب اقتصادية فقط، فأنا لم أعد أشعر بالأمان بعد التفجيرات التي حصلت في دمشق وراح ضحيتها أناس لا علاقة لهم بالأزمة، فتولد لديّ شعور دائم بأن من الممكن أن أكون ضحية هذه التفجيرات، وقد زاد على ذلك عمليات الخطف على الطرقات».
صعوبة الهجرة تكمن الآن في إغلاق معظم الدول لسفاراتها، ما دعا الكثير من الشباب والعائلات إلى محاولة تقديم طلبات إلى سفارات في لبنان كمحاولة منهم للسفر، لكنهم يواجهون صعوبة حين يعرف أنهم من سوريا.
برأي طارق ونارة، أن أحد أسباب عدم قدرة الناس على التحاور وتقبل الرأي الآخر هو غياب العمل السياسي طوال السنين الماضية، يتحدثان إلى «الأخبار»: «هناك حركة سياسية في البلاد كانت غائبة ومغيبة، في المدارس لم نتعلم على الحوار بطريقة صحيحة، وفي الجامعات كنا بعيدين عن النقاش في المواضيع السياسية، ربما لأننا لسنا بحاجة إلى الحديث بها، كل حديثنا السياسي كان عن القضية الفلسطينية، ونعرف أسماء السياسيين في لبنان ولا نعرف اسم وزير أو نائب واحد في سوريا، كل هذا شكل تراكمات أدت إلى هذه الفوضى السياسية في المجتمع». وقد انقسم الشباب بين الدخول في الحركة السياسية ضمن الأحزاب الجديدة أو العمل ضمن التنسيقيات. «لم يعد هناك أمل، المشكلة في هذا الشعب»، يتحدث عبود وهو يطفئ سيجارته ويشعل الثانية بعدها، متمتماً على كل مشهد إخباري يظهر على التلفزيون، دون التمييز بين قناة الدنيا أو قناة الجزيرة «الإعلام هو أحد أسباب زرع اليأس في داخلي، فهم لا يقدمون لنا إلا الكره والحقد ولم يعد هناك بقعة ضوء في هذا البلد». يكمل عبود حديثه بعصبية شديدة «هل تدرك أن نسبة مبيعات الأدوية المهدئة للأعصاب قد ارتفعت، الناس لم يعودوا يحتملون، هم مستعدون لأخذ أي شيء لكي ينسوا لبضع دقائق ما يحدث من حولهم، هذه السنة أخرجت إلى العلن ما كنا نكبته في داخلنا».
على الرغم من الإحباط المنتشر بكثرة بين الشباب، إلا هناك الكثير منهم لا يزالون يحملون أملاً بأن هذه الأزمة سوف تمر، لكن يلزمها صبر ووعي. عماد من الناشطين في مجال تعليم الأطفال الصم، وهو مشارك في كثير من المبادرات المدنية التي ظهرت في السنة الأخيرة، قال «إن كل الحرب علينا هي من أجل إحباطنا، علينا أن نكمل ما بدأناه في السنين الماضية، ربما علينا محاولة النظر إلى القسم الممتلئ من الكأس، والخروج من هذه الأزمة بقوة أكبر». تكمل إحدى الفتيات الحديث، وهي من المتطوعات في الهلال الأحمر «لقد شاهدنا الكثير من المآسي، كما لم نشاهدها من قبل، لم نعمل وربما لم نتوقع أن نمر بحالات صعبة، لكني عشت تجارب مع الكثيرين، من المساعدة والتعاون بين الناس في مناطق مختلفة، وللأسف لم يتم التطرق لها بسبب التوجه العام نحو العنف، بينما هناك مبادرات إنسانية تعطي أملاً دائماً».