لم تكن قلة معرفة الرأي العام بمحمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، وجماعة الإخوان المسلمين لمنصب رئاسة الجمهورية، ناتجة من قلة ظهوره. فهو عضو في مجلس الشعب ورئيس الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين خلال الفترة الممتدة من عام 2000 إلى 2005. وهو إحدى أذرع الجماعة في التفاوض الدائم مع السلطة، سواء أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك إبان الانتخابات، أو أثناء الثورة مع عمر سليمان في الوفد الذي مثل الإخوان في لقاء القوى السياسية، أو مع المجلس العسكري عقب الثورة، كما يُعرف مرسي كمتحدث باسم الجماعة في السنوات القليلة قبل الثورة.
كل هذه الأمور كفيلة بدفع أي شخصية إلى تصدّر الشخصيات المعروفة من الرأي العام في أي بلد، لكن لم تكن الأمور على هذه الحال مع مرسي، بسبب الكاريزما الخافتة التي تسيطر على شخصيته في لقاءاته وتصريحاته، وتصعّب أمر الإقناع به كشخص يحتل أرفع منصب في الدولة بما يرتبط به من هيبة في نظر الشعب المصري.
وقد أثر هذا الأمر في بدايات حملة مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، الذي ترشح كبديل احتياطي للمرشح الأصلي خيرت الشاطر، رجل الجماعة القوي، صاحب الكاريزما. وانعكس هذا الوضع على المجهود الخارق الذي بذلته جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة في الشارع في بدايات انطلاق حملة مرسي، بعد استبعاد الشاطر لأسباب قانونية. فأصابت الجماعة وحزبها حالة من القلق من افتقاد مرسي قدراً كبيراً من التعاطف من قطاعات واسعة من الشعب، بسبب شخصيته أو قدرته على الإلمام بمشروع النهضة، وخاصة بعد ظهوره بمظهر البديل الذي يترشح ببرنامج صاحبه، لكن الجماعة تداركت هذا الأمر، وأعادت مرسي إلى صدارة المشهد الانتخابي عبر عمل تراكمي منظم، جعله يقفز مراحل متقدمة في استطلاعات الرأي، التي أجريت ليصنّف من ضمن الخمسة الكبار المنافسين على كرسي الرئاسة، رغم أنه آخر من أطلقت حملته الانتخابية.
ما يهدد مرسي أيضاً تسليط الضوء عليه دائماً بوصفه سيكون تابعاً للمرشد محمد بديع، ولمكتب الإرشاد، على الرغم من إعلان المرشد حله من «البيعة» التي منحها مرسي للمرشد، بما يعني تحلله من الالتزام بقرار الجماعة، إلّا أن استمرار مرسي في مجلس شورى الجماعة وكعضو مؤسس في حزب الحرية والعدالة حتى لو ترك رئاسته، يجعل الكثيرين يتشككون في صدقية هذا الأمر، أو يجعلهم عند الحد الأدنى غير مقتنعين بمثالية طرحه.
ولعل هذا قد ظهر بقوة في تراجع حزب النور والدعوة السلفية عن دعم مرشح الجماعة، بعدما استبعد خيرت الشاطر. وكذلك فعلت بقية الأحزاب الإسلامية، كالوسط والبناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، ليقف مرسي وحيداً مدعوماً فقط من بعض الشخصيات العامة والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، وهي هيئة تنسيقة بلا قواعد حقيقية.
وعلى الرغم من العقبات التي تواجه مرسي في الترشح، فإن الجماعة تركز على عدد من نقاط القوة التي يمكن إجمالها في تنظيم قوي متمرس على إدارة الانتخابات، ويملك ماكينة انتخابية هائلة، تدور ليل نهار لتصل إلى مرادها، فضلاً عن ترشح مرسي ببرنامج حظي بمديح العديد من المتابعين وتحفظات أيضاً، حتى لو لم يكن هو صاحبه الأصلي. وتراهن الجماعة على أنها تملك الغالبية البرلمانية والقواعد الشعبية التي تكفل لها تنفيذ البرنامج، وفق رؤية الجماعة.
الأمر الآخر هو السيرة الذاتية القوية. فمرسي، الرجل الستيني المولد في محافظة الشرقية إحدى محافظات دلتا مصر، واحد ممن تأثر بالحركة الإسلامية وانضم إليها في سبعينيات القرن المنصرم، فكرياً ثم تنظيمياً. وهو يحسب على تيار التنظيم داخل الجماعة، ولديه نوع من الإعجاب العام بسيد قطب، فضلاً عن عمله في مركز «ناسا» لأبحاث الفضاء بالولايات المتحدة، وحصوله على الأستاذية في هندسة المواد من هناك، كما تولى منصب عضو مكتب الإرشاد من عام 2000 إلى عام 2011، عندما تولى رئاسة الحزب، فضلاً عن حصوله على جائزة أفضل برلماني في العالم عن فترة 2005 ـــــ 2010.
ويملك مرسي وفقاً لمقربين منه داخل الجماعة «شخصية نمطية قادرة على نحو كبير على أداء مهمّات تنفيذية معقدة»، إلى جانب مهارات تخطيطية. فقد شارك في أعمال اللجنة السياسية منذ انضمامه إلى الإخوان، وتدرج داخلها حتى أصبح مسؤولاً عنها خلال السنوات الماضية، ومتحدثاً باسم الجماعة.
ومن اللافت جداً في الشخصيات الداعمة لمرسي أنها تتركز في أغلبها في رجال دين، أو في من هم مرتبطون بواقع التدين. فمن واقع المنشورات التي يوزعها أنصار مرسي يمكن العثور على صور الشيخ المحلاوي والداعية راغب السرجاني، وصفوت حجازي ومحمد عبد المقصود وغيرهم، مع بعض لاعبي الكرة ممن عرف عنهم التدين أو حسن الخلق، كهادي خشبة ومحمد أبو تريكة، أو بعض الفنانين أصحاب الأدوار الدينية كوجدي العربي، أو علماء كزغلول النجار.
في المقابل، تغيب عن دعم مرسي الشخصيات الليبرالية أو اليسارية أو القبطية ذات الوزن، وإن كان هناك بعض الفئات الشعبية البسيطة التي يمكن أن تميل إلى مرسي لقوة تنظيم الحزب الذي يقف خلفه.
الإشكالية الأساسية التي ستواجه الجماعة في حال عدم فوز مرسي، بحسب الكثير من الخبراء، هي تصدع تنظيم الإخوان، ذلك أن المنافس الرئيسي له حتى الآن، بحسب فرز لجان الخارج، وبحسب مزاج رجل الشارع المصري، الذي لا يريد رئيساً لا يخالف الشريعة الإسلامية، هو عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي السابق في الإخوان، وعضو مكتب الإرشاد السابق لقرابة 25 سنة، وصاحب الخلافات الفكرية مع الجماعة في الفصل بين الدعوي والسياسي.
فنجاح أبو الفتوح أمام مرشح إخواني ملتزم تنظيمياً يعني أن الخارجين من الإخوان لديهم قدرة على النجاح، وأنك كي تنجح ليس شرطاً أن تكون ملتزماً تنظيمياً، وهو ما دفع جماعة كالإخوان لا تناصر قيادياً لها في انتخابات المحامين في مصر لتقف مع مرشح ليبرالي فيخسر الاثنان ويفوز غريمهما.
وهذه الإشكالية بحسب الخبراء، هي مصدر إشكالية أخرى بين خيرت الشاطر وعبد المنعم أبو الفتوح، فالأول عُرف عنه الاختلاف مع الثاني في أمور عديدة، تجعل فوز أبو الفتوح على بديل الشاطر والمدعوم منه بمثابة هزة قوية قد تسرع خروج الكثير ممن ضاقوا بحديدية التنظيم ذرعاً.
ويرى محمد العربي، الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية في مكتبة الإسكندرية، أن الانتقادات الموجهة إلى جماعة الإخوان المسلمين وحزبها «الحرية والعدالة» لقرارها خوض الانتخابات الرئاسية لا تتعلق فقط بشخص رجلها القوي المهندس خيرت الشاطر، بل بمخالفتها التأكيدات والتطمينات التي قدمتها إلى بقية القوى السياسية، بأنها لن تنافس على كرسي الرئاسة، وهو القرار الذي لحق بغيره منذ بدء الثورة حتى اليوم، ولم يخفف من غلواء هذه الانتقادات خروج الشاطر من السباق، وحلول محمد مرسي محله، بدا الأمر غريباً على مفاهيم السياسة الحديثة، أن يكون هناك مرشح في حال خروج مرشح، أو كما يعبر عنه المصريون «استبن».
ويضيف العربي «الدكتور محمد مرسي لم يترشح لكونه راغباً في الأمر، أو أنه يرى نفسه كفؤاً للصراع حول سكنى قصر الرئاسة المصرية، أو إدارة البلاد، بل ترشح لأنه قرار الجماعة، وربما تبدو الكلمة الأخيرة هي الكلمة السر لفهم هذا المرشح، وفهم من يمثلهم «الإخوان المسلمون»، يبدو الرجل شخصاً خافتاً ولا يملك حولاً إلا من قوة الجماعة التي تقف وراءه، وهو يعبر عن الجماعة أكثر من تعبيره عن نفسه، الأمر الذي يثير المخاوف من أن تنتقل مصر إلى دولة على رأسها رئيس وعلى رأسه مرشد، وأن تقترب من النموذج الإيراني، بعدما كانت قواها الثورية تتمنى لو اقتربت من النموذج التركي، حيث الدولة العلمانية الديموقراطية التي تخلصت من حكم العسكر، لا يحسم هذا فقط من رصيد مرسي كمرشح مؤهل لإدارة البلاد، بل إن جماعته نفسها قد أصيبت بالضعف بعدما انفض شهر عسلها مع العسكر، ثم بعد انخفاض ثقة الشارع بها نتيجة الأداء السياسي الهزيل الذي يقدمه البرلمان، الذي يتحكم فيه الإخوان وحلفاؤهم، بسبب عدم قدرتهم على تفعيل مشاريع القوانين التي يسنّونها أو مواجهة الحكومة أو تجاوزات السلطة ضد الشعب، ومع ذلك يبقى هو المرشح الوحيد الذي يدعمه تنظيم قوي له وجوده على الأرض، وله ارتباطاته المالية والاقتصادية القادرة على الدفع به نحو خوض السباق، وربما تخطي مرحلته الأولى. وجمهوره محدد وربما أكثر اتساعاً من حدود الجماعة، وهو ما يزيد من فرصه. ويبقى أن طريقة ترشحه تثير التساؤلات أكثر حول مستقبل السياسة في مصر، وهل أعادته الثورة إلى المفاهيم ما قبل الحداثية، حيث قوة الجماعة والعائلة والقبلية لا إرادة الفرد».



تحت مجهر التحليل النفسي


يرى رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر، محمد المهدي، أن «المقومات الشخصية لمحمد مرسي في مجال الرئاسة يبدو أنها ليست كافية، فمثلاً إذا أخذنا ملامح الوجه، نادراً ما تراه مبتسماً، حتى إنه يبدو أنهم حاولوا أن يجعلوا الصورة مبتسمة، فخرجت الصورة بابتسامة مجهضة، على اعتبار أن الوجه لم يتدرب على الابتسامة». وأضاف «ملامح الوجه تغلب عليها المرارة، الحزن، الغضب، كما أن التواصل البصري غير موجود بصورة عالية، وهو رجل تنظيمي وحركي من الطراز الأول، وربما يكون له نجاحات كثيرة في الإخوان كتنظيم وكحركة، لكن على مستوى منصب الرئيس يحتاج إلى أن يكون فيه تواصل بصري، ونوع من الكاريزما التي تحمس الناس، وتعطيهم الإحساس بالكرامة والعزة وتدفعهم إلى العمل. وهو لديه نقص في هذه المقومات».