صنعاء ــ الأخبار تحولت التمارين التي كان يقيمها جنود في ميدان السبعين في صنعاء أمس استعداداً للاحتفال اليوم بالذكرى الثانية والعشرين للوحدة اليمنية إلى مجزرة، بعدما فجر انتحاري يرتدي زياً عسكرياً نفسه، مودياً بحياة ما لا يقل عن 96 جندياً، فضلاً عن جرح المئات. وأعاد التفجير الانتحاري التذكير بخطورة الوضع الأمني الذي يعيش في ظله اليمنيون نتيجة استمرار الانقسام في المؤسسة العسكرية والأمنية، وخصوصاً بعدما وجّهت أصابع الاتهام إلى أكثر من جهة، قبل تبني تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» للعملية.

وفي تفاصيل الحادث، أن انتحارياً يرجح أنه جندي، فجّر نفسه أمس وسط سرية من جنود الأمن المركزي خلال التمارين، ما أدى إلى مقتل 96 عسكرياً وإصابة نحو 300 آخرين، فيما نجا وزير الدفاع محمد ناصر أحمد ورئيس الأركان في الجيش اليمني اللواء الركن أحمد علي الأشول، اللذان كانا في مكان التفجير. وأفاد مصدر عسكري بأن قوات من الحرس الجمهوري ألقت القبض على انتحاريين اثنين كانا يرتديان الزي العسكري لقوات الأمن المركزي أثناء محاولتهما تنفيذ عمليات انتحارية بعد حادثة التفجير الأولى.
جماعة «أنصار الشريعة» كانت أول المتبنين للتفجير الذي اختصر شهود قوته بالقول لوكالة «فرانس برس» إن العاصمة اهتزت عندما فجر الانتحاري نفسه. وأشارت الجماعة إلى أن التفجير وقع رداً على «ما يقوم به الأمن المركزي اليمني، ومن بين هذه الجرائم جرائم هذا الجهاز بحق شباب الثورة وبحق المجاهدين الذين استهدفهم في 11 فبراير 2011 بالعاصمة اليمنية صنعاء جنود من الأمن المركزي بسجن الأمن السياسي في صنعاء».
إلا أن الأسباب التي دفعت بها «أنصار الشريعة» لتبرير قيامها بالتفجير لم تكن مقنعة للكثيرين، وبينهم السياسي اليمني، منير الماوري، الذي كان لافتاً نشره مقالاً أول من أمس بعنوان «ماذا وراء إعلان مرض صالح؟». وحذر الماوري في مقاله من أن «توقيت وأسلوب إعلان نقل الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح (أول من أمس) إلى المستشفى يثير الشبهات حول نيات أسرة صالح ومخاوف من وجود مخطط يراد تجنيب صالح مسؤولية الإعداد له»، مرجحاً أن «ينكشف الهدف من هذه التسريبات يوم الاحتفال بذكرى الوحدة». كذلك جرى التداول على مواقع التواصل الاجتماعي بما نشرته «شبكة شافي جروحه الإخبارية»، المحسوبة على المؤتمر الشعبي العام، «عن مفاجأة تفجير في مناسبة عيد الوحدة»، وذلك قبيل ساعات من وقوع العملية الانتحارية.
وفي حديث مع «الأخبار»، أوضح الماوري أن الهدف من التفجير «كان اغتيال وزير الدفاع وقيادات عسكرية أخرى». وأضاف: «أعتقد أنهم (عائلة صالح) شعروا بانكشاف الخطة واحتمال إلغاء العرض العسكري، فسارعوا إلى تقديم الموعد». ولفت إلى أن «ميدان السبعين منطقة مغلقة ومحمية من (عائلة صالح)، وهم المسؤولون عن الأمن هناك، ولا يمكن أن يتمكن أي إرهابي من تنفيذ عملية كهذه إلا بدعم وتسهيلات من قبلهم».
وعن أسباب استبعاده لوقوف القاعدة وراء الهجوم، لفت إلى أنه «يوجد هناك عدة قواعد في اليمن، لا قاعدة واحدة، قاعدة صالح وقاعدة (ناصر الوحيشي وقاعدة أنصار الشريعة»، طارحاً مجموعة من التساؤلات عن التفاصيل المرافقة للانفجار، ومن بينها «ما هو سبب استعداد أنصار صالح في موقع التفجير بالمصورين والكاميرات من زوايا مختلفة وكأنهم على علم مسبق بما سيحدث؟». وأضاف: «يا ترى لماذا سارعت القاعدة في تبني حادث السبعين بالتزامن مع وقوعه، وهي في العادة تنتظر أياماً طويلة قبل تبني أي عمل إرهابي؟».
لكن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، لا «أنصار الشريعة» اختار في المساء إصدار بيان أعلن فيه أهداف تبنيه العملية. فأشار إلى أنها كانت تستهدف وزير الدفاع رداً على العمليات العسكرية التي اشتدت منذ أيام في الجنوب بهدف ملاحقة عناصر التنظيم المسلحين، الذين استطاعوا طوال أشهر الاستفادة من الفوضى التي تعم البلاد لفرض نفوذهم، وصولاً إلى إعلان بعض المناطق إمارة إسلامية.
وهدّد التنظيم بتنفيذ المزيد من الهجمات في حال استمرار الحملة في جنوب البلاد، قائلاً: «سننتقم، إن شاء الله، ونيران الحرب ستصل إليكم في كل مكان». وأضاف البيان متوجهاً إلى القادة العسكريين اليمنيين: «ما حدث بداية لمشروع الجهاد في الدفاع عن الشرف والمقدسات».
وفي السياق، أوضح المحلل السياسي عبد الغني الماوري، في حديث مع «الأخبار» أن وقوف القاعدة وراء التفجير لا يمكن فصله عن «تعرض التنظيم لعمليات قاسية في الجنوب، وأراد من خلال هذه الخطوة تخفيف الضغط عنه ونقل المعركة إلى صنعاء».
وفي قراءته لدلالات التفجير وتوقيته، لفت الماوري إلى أنه يسجل اختراقاً مهماً، على اعتبار أنه وقع في أهم منطقة أمنية محصنة لما يوجد فيها من قوات أمن مركزي وحرس جمهوري، وهو ما دفع البعض من وجهة نظره لتوجيه اتهامات سياسية بما في ذلك أقارب صالح أو اللواء المنشق علي محسن الأحمر بالوقوف وراء العملية.
وبعدما أشار إلى خطورة المكان وحتى الرقم الكبير في عدد القتلى، أشار المحلل اليمني إلى أن المشكلة الرئيسية تكمن في سهولة اختراق القوات اليمنية، ولذلك فإن الأزمة الحقيقية لا تتمثل بالاستهداف بقدر إظهارها نقاط الضعف داخل القوات اليمنية بسبب غياب القيادة الموحدة، وهو ما يجعل إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية في أسرع وقت ممكن مطلباً ليس فقط داخلياً بل أميركياً أيضاً. وأوضح الماوري أن الولايات المتحدة ترى نفسها معنية بما يجري في اليمن؛ لأن الأخير بات يمكن اعتباره يقع في دائرة أمنها القومي. ولفت إلى وجود اعتقاد لدى الإدارة الأميركية بأن الجيش اليمني يمكنه النجاح في محاربة تنظيم القاعدة، لكن المشكلة تبقى في توحيده. وأكد أن المشكلة الحقيقية تتمثل في عائلة صالح لأنها لا تزال القوة الأساسية في اليمن؛ إذ تملك ما بين 60 إلى 70 في المئة من الجيش اليمني، وتحديداً من خلال قوات الحرس الجمهوري التي تشرف على صنعاء وتضم العديد من الألوية القوية.
وفيما وضع الاتهامات التي وجهت إلى الرئيس اليمني السابق علي عبد الله وأقاربه بالضلوع في التفجير بأنها «تحتاج إلى دليل»، لفت إلى أن أي ثبوت لتورط الرئيس اليمني السابق وأقاربه سيؤكد الشكوك في وجود ارتباط بين قاطن القصر الجمهوري السابق والقاعدة، وسيؤدي ذلك إلى عمل دولي وإقليمي ضد عائلة صالح. وعندها تصبح كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك محاسبة أقارب الرئيس السابق واغتيال صالح نفسه. كذلك حذر من خطورة استمرار الشك وتبادل الاتهامات ما بين الأطراف الأمنية في حال عدم توحيد الجيش، مطالباً الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي بأن يقيل فوراً كل القيادات العسكرية التي تُسهم في استمرار المشكلة وبجعل الجيش تحت قيادة موحدة.
لكن هادي اكتفى أمس بإقالة قائد الأمن المركزي وقائد النجدة، فيما استحدث منصب وكيل جهاز الأمن القومي لقطاع الشؤون الخارجية وأوكل مهمته إلى محمد جميع الخضر، بعدما كان اللواء عمار محمد عبد الله صالح يتولى إدارة هذا القطاع إلى جانب منصبه كوكيل أول لجهاز الأمن القومي، قبل أن ينقل موقع «المصدر أونلاين» عن مصدر في جهاز الأمن القومي إعفاء الرئيس اليمني من منصبه كوكيل للجهاز.
وبدا واضحاً من القرارات أن هادي لم يحمّل أقارب صالح المسؤولية عمّا جرى بقدر ما جاءت قراراته لتعكس تحميل جهاز الأمن المركزي ومختلف القيادات فيه مسؤولية التقصير الذي أدى إلى وقوع التفجير الذي يصر هادي، على ما يبدو، على عدم السماح لتداعياته بثنيه عن قيام الاحتفالات بذكرى الوحدة.
وفيما نقل عن مصدر رئاسي أن «الاحتفال بذكرى الوحدة اليمنية سيجري (اليوم) بحضور هادي»، أكد الرئيس اليمني في برقية عزاء لأسر الضحايا أن الهجوم لن يزيد القوات المسلحة والأمنية إلا «صلابة وعزيمة وإصراراً في أداء واجبها الوطني والتصدي للعناصر الإرهابيين وحماية مكاسب ثورتنا المجيدة ووحدتنا المباركة من الإرهابيين والقتلة والمجرمين والمخربين وكل أعداء الوطن».

البيض يحدّد شروط الحوار: مفاوضات شماليّة ــ جنوبيّة وحماية دوليّة





بينما كانت الاستعدادات في صنعاء تجري بوتيرة متسارعة للاحتفال بالذكرى الثانية والعشرين للوحدة قبيل وقوع التفجير الانتحاري في ميدان السبعين، كان الرئيس اليمني الجنوبي السابق، علي سالم البيض، يعقد أمس في بيروت مؤتمراً صحافياً لمناسبة «الذكرى الـ 18 لإعلان فك الارتباط واستعادة الدولة»، بحضور عدد من قادة الحراك في الداخل، أبرزهم: قاسم عسكر، في محاولة لاستعراض قوة تمثيله في الداخل بعد الانقسامات العديدة التي ضربت الحراك الجنوبي في الداخل.
وإن لم يتخلّ البيض عن تعبير «الاحتلال» الذي اعتاد وصف نظام صنعاء به منذ خروجه عن صمته في عام 2009 بعد أكثر من 15 سنة من الصمت أعقبت خروجه من اليمن بعد إعادة نظام علي عبد الله صالح فرض الوحدة بالقوة في عام 1994، فإن كلمة البيض حملت هذه المرة شروطاً محددة للحوار مع الشمال. وأكد البيض «أننا نسعى إلى إنهاء الاحتلال وإعادة التوازن في العلاقة الإنسانية والعربية بين جمهورية اليمن الديموقراطية والجمهورية العربية اليمنية، ونسعى إلى إنهاء حالة الوحدة القهرية وبلوغ الانسجام الطوعي بين الشعبين الشقيقين».
وبعدما تحدث عن إدراك «أهمية التفاوض من أجل إنهاء الاحتلال المفروض على شعب الجنوب تحت اسم (وحدة معمّدة بالدم)»، تطرق إلى «مؤتمر الحوار الوطني». وقال البيض «نؤكد أننا لا نرفض مبدأ الحوار، بل إننا من دعاة حل مشاكلنا من خلال الحوار التفاوضي». وحدد عدداً من النقاط، قال إنها تمثل «ما يمكن قبوله من قبل الحراك الجنوبي للمشاركة في أي حوار تفاوضي مع نظام صنعاء، وفق مسلمات ثابتة لا رجوع عنها». وأشار إلى أن في مقدمة هذه الشروط «أن يكون الحوار التفاوضي بين ممثلين عن دولة الجنوب (جمهورية اليمن الديموقراطية) ودولة الجمهورية العربية اليمنية بعد الاعتراف بقضية شعب الجنوب وبالحراك الجنوبي كممثل وحامل سياسي لهذه القضية، وتكون الجهة الراعية أو أحد الرعاة الأساسيين من الأطراف الدولية المؤثرة وتحديداً الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية».
كذلك طالب البيض «بأن تحدد الجهة الراعية للتفاوض حضور الجلسات المنعقدة لبحث قضية شعب الجنوب المحتل حصراً»، و«أن يكون طرف الجمهورية العربية اليمنية المفاوض قادراً على اتخاذ القرارات وتنفيذها في حال الاتفاق عليها، مع إيجاد ضمانات دولية وإقليمية لتنفيذها». وأكد أن «أي اعتبار يعلو أو يتجاوز أو يهمل هذه الشروط سوف يجعلنا نتمسك بموقفنا الذي يعتبر أن أي مقررات صادرة عن أي حوار آخر لا تعنينا ولا تلزمنا بشيء».
ومن بين الشروط التي وضعها البيض أيضاً «توفير الحماية الدولية الإنسانية لشعب الجنوب وإيقاف الجرائم والانتهاكات، وذلك لخلق مناخ سياسي ملائم للتفاوض يتمثل من خلال سحب جميع الوحدات العسكرية والميليشيات التابعة للاحتلال». كما طالب «بإيقاف المحاكمات والملاحقات وإطلاق جميع الأسرى وإلغاء الأحكام ضد السياسيين والصحافيين الجنوبيين». كذلك طالب بـ«احترام إرادة شعب الجنوب المعبّر عنها يومياً في ساحات النضال السلمي».
(الأخبار)