أدلى المصريون لليوم الثاني، أمس، بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الأولى بعد ثورة «25 يناير»، بينما كان السباق الرئاسي يشهد على مدى يومين حرباً نفسية بين المرشحين، زادت وتيرتها في الساعات الأخيرة التي سبقت إقفال مراكز الاقتراع، بعدما ادعى كل مرشح بأنه الأقرب إلى الفوز أو الأقرب إلى دخول الإعادة عند الحد الأدنى، داعياً الناخبين إلى النزول والتصويت لمصلحته.
أما استطلاعات الرأي، فأظهرت أن نسبة كبيرة من الناخبين لم تكن قد حسمت أمرها حتى قبل وقت قليل من إقفال صناديق الاقتراع، وهو ما أشار إليه الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية محمد العربي، موضحاً أن حسم المترددين لأي من المرشحين سيمنحون أصواتهم يأتي من خلال مناقشات الطابور قبيل وقت قصير من الإدلاء بأصواتهم، وذلك بعدما فشلت الحملات والدعاية الانتخابية في الوصول إلى قطاعات عريضة من الشعب، فيما انهمكت في ممارسة الدعاية السوداء ضد المرشحين المنافسين. وقامت العديد من الحملات بتكثيف اتهاماتها للمرشحين الآخرين، حيث ركزت حملة محمد مرسي بالإسكندرية على أخطاء أنصار عبد المنعم أبو الفتوح. وركزت حملة عمرو موسى هجومها على الإسلاميين وأحمد شفيق في الساعات الأخيرة.
وقد شهدت الانتخابات تصاعداً في أسهم المرشحين وانخفاضاً على مدار الساعة. فقد رصد مراقبون صعوداً ملحوظاً للمرشح حمدين صباحي الذي أتت به استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات مباشرةً في المرتبة الخامسة. إلا أن الجميع فوجئ بهذا الصعود الذي واكبه إنفاق كبير، تمثل في كثافةٍ للدعاية والملصقات، واستخدام وسائل دعاية كان صباحي يقول إنه لا يملك موارد للإنفاق عليها. واستطاع صباحي استقطاب قطاعات كانت تنتمي للمرشح عبد المنعم أبو الفتوح وخالد علي، مع وجود حملة ضد عبد المنعم أبو الفتوح تشكك في صدقيته بالتوازي مع هذه المستجدات وعدم اقتناع الكثيرين بقدرته على الفوز.
وواكب ذلك اتجاه قوي من الأقباط، رصدته المؤشرات الأولية، للتصويت لأحمد شفيق دون عمرو موسى، وهما الأقرب إلى الأقباط لابتعادهما عن الخلفية الإسلامية والثورية، فيما صوّت بعض الشباب الأقباط المنتمين للثورة لصباحي. وكشفت مصادر وثيقة الصلة بالمقر البابوي الرئيسي للكنيسة الأرثوذكسية بالإسكندرية لـ«الأخبار» أن عضواً نافذاً داخل المجلس الملي بالإسكندرية، وكان أحد كوادر الحزب الوطني، يقف بقوة خلف أحمد شفيق، سواء عبر الدعم المادي أو دفع الكهنة إلى إقناع أبناء الكنيسة للتصويت له. ووصل الأمر إلى منع اللجنة المركزية لتوعية الأقباط من عقد مؤتمر للتأكيد على حيادية الكنيسة، فيما أفاد شهود عيان في عدد من مدن الدلتا بأن قادة الحزب الوطني يدعمون شفيق بالحشد أو بعض الأمور اللوجستية.
أما محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، فقام كثير من السلفيين بالتصويت له، سواء من سلفية القاهرة، التي أيد كثير من رموزها مرسي، أو سلفية الإسكندرية الأوسع انتشاراً والتي أيّد عدد غير قليل منهم محمد مرسي، وهو ما أدى إلى تفتيت الكتلة الصلبة التي تقف وراء أبو الفتوح، ليرجح الإخوان فوز مرسي من أول جولة. وقال مسؤول المكتب الإداري لإخوان الإسكندرية، مدحت الحداد، لـ«الأخبار» إن الجماعة قد أجرت عدداً من استطلاعات الرأي بالمحافظات، جاءت نتيجتها جميعها لمصلحة مرسي. وفقاً للحداد، تخطى مرشح الجماعة نسبة 50 في المئة بالإسكندرية ونسبة الـ 70 في المئة بالشرقية والغربية، ما يضمن بالحد الأدنى من وجهة نظره دخول مرسي جولة الإعادة. ولفت الحداد إلى أن الجماعة رصدت اجتماعاً بالبحيرة بين عدد من قادة الحزب الوطني بالبحيرة وعدد من البلطجية للتجهيز لسيناريو فوضى في حال تفوق مرسي أو دخوله إعادة مع أحمد شفيق أو عمرو موسى.
أما موسى، فقد شن حرب تصريحات ضد أحمد شفيق بعد صعود أسهم الأخير، ولا سيما في مناطق ريفية وتأكيد المؤشرات لدعم الأقباط له، ما يجعله متخلفاً عن رئيس الوزراء السابق، بالرغم من تلقيه دعم حزب الكنبة الذي تتركز غالبيته في كبار السن وبعض الفقراء الذين رسموا صورة ذهنية عن موسى أنه العالم ببواطن أمور السياسة، أو الشخص الذي سيجعلهم يعيشون الاستقرار. في المقابل، أكدت حملة موسى أن استطلاعات الرأي ترجح دخوله كفة الإعادة مع مرسي أو أبو الفتوح.
أما عبد المنعم أبو الفتوح، فظهر جلياً أن تركيز الأصوات صوبه كان من المثقفين وأبناء الطبقة الوسطى من الشباب، والملتزمين بقرار حزب النور والدعوة السلفية _ مدرسة الإسكندرية. وقد أكدت حملة القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين أنه مرشح لدخول الإعادة، إلا أن ما يجعل الصورة ضبابية بالنسبة إلى أبو الفتوح أنه يعتمد على أصوات الناخب العادي بشكل كبير والذي يقتنع بأبو الفتوح دون أن يكون هذا عبر حشد منظم لشخصه كشفيق أو مرسي.
ومن خلال اتجاهات استطلاعات الرأي التي أجراها كل مرشح، فإنه يمكن الحديث عن ثلاثة سيناريوهات رئيسية قد ينتهي إليها المشهد الانتخابي. السيناريو الأول قائم على أن الصعود الممنهج لحمدين صباحي يصب في مصلحة خصم أصوات من عبد المنعم أبو الفتوح، بحيث تقل كفة المرشح الإسلامي وتعلو كفة المرشح الناصري، دون أن يكون لأحدهما كفة راجحة أو كتلة متماسكة من الأصوات، بالتزامن مع رفع وتيرة الهجوم وتكثيفه ضد مرسي. في المقابل، فإن الدعم الكبير من أعضاء الحزب الوطني المنحل لأحمد شفيق، سواء عبر الحشد أو الإنفاق، مع انتظار ماذا سيجني موسى في نهاية المشهد، سيؤدي إلى ضمان عدم نجاح أي مرشح من المحسوبين على الثورة كصباحي وأبو الفتوح، ليدخل الإعادة شفيق أو موسى ضد مرسي، ويتم تحسين صورتهما بحيث لا يتقبل المواطنون مرسي، فإذا خسر أو تم التزوير ضده لا يجد تعاطفاً من الشارع ويقف الإخوان وحيدين في معركتهم.
أما السيناريو الثاني، فقال مراقبون إنه يتمثل في دخول صباحي الإعادة أمام مرسي، بحيث يحتشد الإسلاميون خلف مرسي، وتحتشد القوى الوطنية الأخرى خلف صباحي، ويتفاوض المجلس العسكري مع كليهما بحيث يتم مساندة أحدهما أمام الآخر، مع ترجيح كفة فوز صباحي بنسبة قليلة بحيث يسهل الضغط عليه لعدم وجود قوة منظمة حاشدة خلفه مثل الإخوان.
السيناريو الثالث، يتركز على مساومة الإخوان حال دخول أبو الفتوح للإعادة أمام مرسي، حيث سيكون نجاح أبو الفتوح أقرب، ومن ثم يخضع الإخوان للتفاوض بشأن التفاهمات الخاصة بوضع الدستور ووضع المؤسسة العسكرية فيه.
ربما يكون وفقاً لمؤشرات التصويت الأولية أن مرسي سيخوض الإعادة مع من هم محسوبين على الفلول أو الثورة، لكن الثابت أن السيناريو الأول هو الأقرب إلى الحدوث إذا صدقت استطلاعات الرأي التي وضعت مرسي في المقدمة ومعه شفيق تارةً وأبو الفتوح تارة أخرى. وهو ما سيجعل الكثير من الثوريين يشعرون بخيبة أمل لأنهم وفق تصريحاتهم ومواقفهم طوال الفترة الانتقالية يشتكون من تحالف ما سمّوه «العسكر _ الإسلاميين»، فيما سيدفع في هذه الحالة أبو الفتوح وصباحي ثمن عدم تحالفهما معاً.