يظهر التحديث الدوري، الذي صدر امس، للجنة التحقيق المستقلة حول سوريا المكلفة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ان استنتاجات اللجنة وارقامها باتت خارج سياق الحدث السوري المتسارع والمحتدم على مدار الساعة. فمن جهة خلا التقرير من اي معطيات من جانب مراقبي الأمم المتحدة العاملين في سوريا (يونسميس)، ومن جهة ثانية فشلت اللجنة مجدداً في اقناع الحكومة السورية بالسماح لفريق عملها بالدخول الى الاراضي السورية واجراء مقابلات مباشرة مع المتضررين وعائلات الضحايا والجرحى.
ويؤكد مصدر دبلوماسي، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ«الأخبار» أن البعثة السورية لدى الامم المتحدة في جنيف قد امدت اللجنة بتقارير من آلاف الصفحات تتعلق بالخسائر البشرية والاقتصادية التي سببها النزاع بين القوات النظامية والمسلحين، إلا ان اللجنة المستقلة، التي يرأسها القاضي البرازيلي باولو بينيرو، تتعاطى مع هذه الارقام بحذر وتوردها من مصدرها بدون ان تضفي عليها اي صدقية.
ويلفت المصدر الدبلوماسي الى انه، وعلى عكس اداء البعثة السورية لدى الامم المتحدة في نيويورك برئاسة السفير بشار الجعفري، فإن البعثة السورية في جنيف تتسم بكلاسيكية مفرطة وترهل اعلامي بما لا يتلاءم إطلاقاً مع طبيعة الحدث السوري. ويحمّل المصدر الدبلوماسي هذا الامر الى رئيس البعثة فيصل حموي، الذي اقترب من سن التعاقد، وامتاز اداؤه منذ آذار العام 2011 بفتور عال، فهو لا يتحرك الا اذا جاءته تعليمات صارمة من دمشق، ولا يبادر الى اقتراح خطوات عملانية على قيادته الا بعد إلحاح شديد من فريق عمله. ويختم المصدر بالقول ان الخارجية السورية اخطأت حين قللت من اهمية عمل مجلس حقوق الانسان وتقاريره، وهو الذي يكاد يسجل رقماً قياسياً في عدد الجلسات التي عقدها حول سوريا، بسبب او بدون سبب، مدفوعاً من التحالف الغربي - العربي، لدرجة ان بعض الدول الاوروبية، مثل سويسرا، حاولت خلال الدورة التاسعة عشرة لمجلس حقوق الانسان التي عقدت في نيسان الماضي، ان توازن في مشاريع القرارات التي يصدرها المجلس حول سوريا، خوفاً من ان تشكل السوابق التي سجلتها الامم في التعاطي مع الحدث السوري، انحرافاً خطيراً في آلية عمل مجلس حقوق الانسان واللجان والآليات المرتبطة به.
ويختم المصدر الدبلوماسي الى بأن صدقية النظام السوري تجاه مجلس حقوق الانسان لا يمكن ان تستعاد إلا من خلال ايفاد القاضي محمد ديب المقطرن، المكلف من الرئيس السوري بشار الاسد برئاسة اللجنة القضائية الخاصة المستقلة والتي انشئت للتحقيق في جميع الحالات المتصلة بالاحداث التي وقعت في سوريا منذ آذار 2011. ومنذ تشكيل هذه اللجنة لم تقدم الحكومة السورية نتائج عن عملها، رغم تأكيد الدبلوماسية السورية في مناسبات عدة في مجلس الامن، ان هذه اللجنة القضائية لا تزال تحقق ضمن الولاية التي اوكلت اليها.
وبالعودة الى التقرير الذي صدر امس عن لجنة التحقيق المستقلة حول سوريا، يتبين انه حاول للمرة الثانية ان يوازن في توثيق الانتهاكات التي ترتكبها القوات الحكومية والمجموعات المسلحة على حد سواء، لكنه اشار الى أن معظم الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان يرتكبها الجيش السوري والقوات الأمنية، فيما اتهم القوى المعارضة بارتكاب انتهاكات أيضاً تشمل الإعدام خارج نطاق القضاء والخطف.
ولقد صدر التقرير بناءً على 212 مقابلة أجرتها بعثتان للتحقيق، الاولى في آذار والأخرى في نيسان 2012 ، فضلاً عن مقابلات تمت في الآونة الأخيرة في جنيف. وأشارت اللجنة إلى أنه بناء على المقابلات يمكنها أن تؤكد مقتل 207 أشخاص من شباط إلى 10 ايار 2012. وتلقت اللجنة أيضاً من الحكومة قوائم بالضحايا من بين صفوف قوات الجيش والشرطة والأمن. ووفقاً لهذه القوائم قتل 214 من ضباط الشرطة و2111 فرداً من الجيش وقوات الأمن، ما بين 21 آذار 2011 و21 آذار 2012. ولفت التقرير إلى انه «من دون التحقيق داخل سوريا فإن اللجنة ليست في وضع يمكنها فيه تأكيد هذه الأرقام».
وأشارت اللجنة إلى «سلسلة التفجيرات التي حصدت عدداً كبيراً من الضحايا في دمشق وإدلب وحلب وغيرها»، قائلة إنها تدين «الطبيعة العشوائية لهذه الهجمات وتستنكر سقوط ضحايا فيها». وأضافت أنها أخذت علماً بكثافة العنف في سوريا إضافة إلى ازدياد التنظيم لدى المجموعات المسلحة في بعض المناطق.
وقالت اللجنة إنه منذ التقارير السابقة للجنة أصبح الوضع في سوريا معسكراً أكثر، ففي حين أن القوات الحكومية كانت ترد في السابق على المتظاهرين بشكل أساسي، إلّا أنها اليوم تواجه مقاتلين مسلحين ومنظّمين بشكل جيد يعززهم انضمام منشقين إليهم. وتابعت أن الانتهاكات التي سجّلتها تعكس هذا التغيّر حيث وقعت معظمها في عمليات عسكرية واسعة النطاق على مواقع محددة تعرف بإيواء منشقين أو مسلحين كانوا يحمون بعض التظاهرات أو تعتبر مؤيدة لـ«الجيش السوري الحر». وأشارت إلى أن «التظاهرات مع أو من دون حماية مسلحة تستمر في أن تلعب دور المحفّز للرد الحكومي العسكري الثقيل. والعقاب الجماعي يكون أحياناً وراء العمليات الحكومية».
وأشارت اللجنة إلى أن الشهادات التي جمعتها تشير إلى أن القوات الحكومية تحذّر القرى أو المناطق التي تؤوي منشقين أو مسلحين كي يخرجوا منها وإلّا تتعرض للدهم أو القصف قبل وقت معيّن، حينها يقوم الرجال بإجلاء النساء والأطفال والعجزة، وإذا لم يلحقوا فقد يتعرضون للاعتقال أو لمداهمة منازلهم.
وأضافت أنه «إذا لم يهرب المسلحون قبل المدة التي تحددها القوات الحكومية، يحصل اشتباك في البلدة، وكل من يحاول المغادرة عبر تجاوز الحصار، يفترض أنهم أعضاء أو داعمون لمجموعات مسلحة وتطلق النار عليهم».
وقالت اللجنة إنه بحسب الشهادات التي جمعتها فإن القوات الحكومية ترتكب عمليات تعذيب وسوء معاملة واعتقالات عشوائية، كما اتهمتها بانتهاك حقوق الأطفال وقتل أعداد منهم خلال هجمات على تظاهرات أو قصف بلدات.
أما في الجهة المقابلة، فقالت اللجنة إنها وثّقت ارتكاب المجموعات المعارضة المسلحة انتهاكات لحقوق الإنسان من خلال «عمليات إعدام خارج نطاق القضاء لعناصر من الجيش النظامي أو قوات الأمن أو مخبرين مشتبه فيهم أو متعاملين مع القوات الحكومية تعتقلهم مجموعات معارضة للحكومة».
وذكرت اللجنة أن المجموعات المسلحة المعارضة زادت من استخدام العبوات الناسفة، كما قالت إنها تلقت معلومات تشير إلى أن عناصر أمنية نظامية أو مناصرين لها اعتقلتهم مجموعات معارضة مسلحة اعترفوا تحت التعذيب، وأن إيرانيين اثنين احتجزا في نهاية كانون الثاني 2012 وأطلقا في نيسان الماضي تحدثا عن التعرض للتعذيب. وأشارت اللجنة إلى أنها سجّلت حوادث قامت فيها مجموعات معارضة باختطاف مدنيين وأعضاء في القوات الحكومية بدافع ظاهر هو مبادلتهم بمعتقلين او مقابل فدية.
وكذلك اتهمت اللجنة القوات المسلحة المعارضة بانتهاك حقوق الأطفال من خلال استخدامهم رسلاً أو طبّاخين للوحدات المسلّحة على الأرض، ونقل الإمدادات الطبيّة للمستشفيات الميدانية، وقالت إنها التقت العديد من الأطفال اللاجئين في تركيا.
تجدر الاشارة الى ان لجنة التحقيق المستقلة حول سوريا كانت قد اعدت في تقارير سابق قائمة سرية بالمسؤولين السوريين الذين يشتبه في إصدارهم أوامر بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وسلمتها إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. وتقول رئيسة المفوضية السامية نافي بيلاي بيلاي إن الوضع في سوريا يوجب الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المسؤولين.