تونس | في مشهد يذكر ببدايات «العشرية السوداء» في الجزائر، وفي منعرج أمني خطير، شهدت مدينة جندوبة في أقصى الشمال الغربي لتونس، هجوم مجموعة من السلفيين على مقر مديرية الأمن بالمدينة، في رد فعل على القاء الشرطة القبض على بعض المنتسبين إلى التيار السلفي، المطلوبين للعدالة، في اعتداءات على حقوق المواطنين.
رد فعل أشّر إلى بداية تصعيد بين قوات الأمن والسلفيين، الذي يبدو أنه بدأ يصل إلى نقطة «اللاعودة»، بعدما تعددت أوجه الاعتداءات على المصالح العامة باسم الدين، ومحاربة «أعداء الله». وينقل أحد المسؤولين الأمنيين عن الحادثة أن الكتيبة المركزية لمكافحة الإرهاب ألقت القبض على مطلوبين ينتمون إلى التيار السلفي، وبانتشار الخبر بين أعضاء جماعتهم تجمع قرابة مئة شخص أمام مقر مديرية الأمن الوطني للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين، وتعمدوا ضرب المقر وأفراد الشرطة بالحجارة قبل أن يتحول المشهد إلى رشق المقر ومن فيه بقنابل «المولوتوف».
وبدأت الدعوة إلى «الجهاد» ضد أفراد الشرطة، الذين تسلحوا بالغاز المسيل للدموع لتفريق «المستسلفين»، فيما كان هؤلاء يخفون تحت جلابيبهم وزيهم الباكستاني هراوات وآلات حادة وسيوفاً. «الجهاديون» واصلوا التحدي واتجهوا إلى مقر أمن تابع لدوائر التحقيق الجنائية حيث ألقوا عبر نوافذه زجاجات «مولوتوف» أدت إلى اشتعال حريق فيه، الذي عدّوه «إشارة ربانية» إلى انتصار قريب، فانقسموا إلى «عناقيد» (مجموعات صغيرة) هاجمت ثلاث حانات بوسط المدينة، وأخرجوا ما فيها من قوارير خمر وجعة وكسروها في الشارع. قبل أن يهاجموا أحد فنادق المنطقة بالحجارة، حيث هشموا واجهته البلورية واقتحموه وهشموا كل تجهيزاته وأثاثه، ملحقين بالغرف ضرراً كبيراً، وعمدوا إلى أشعال النيران فيها تحت أنظار مرتادي النزل من زبائن وموظفين.
هذه التصرفات التي تكررت وتعددت وأصبحت تمثّل ناقوس خطر يهدد البلاد، جاءت لتؤكد أن السلفيين يخزنون الأسلحة المهربة من ليبيا، وأن بعضهم تلقى تدريبات في عدة معسكرات تابعة إما لـ«القاعدة» أو الجماعات الإرهابية في ليبيا، وهذا ما تأكد من خلال اعترافات التونسيين الذين قبض عليهم في سوريا.
وتكرر الاعتداء على الأملاك العمومية والخاصة وضع الحكومة الحالية في قفص الاتهام، مع التراخي الواضح عند التصدي لهذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع التونسي، وهو ما أصبح ينبئ بعواقب وخيمة وسط مخاوف من الوصول إلى «نقطة اللاعودة» في المواجهة مع التيار السلفي. «نقطة اللاعودة» عبّر عنها وزير الداخلية التونسي علي العريض، في حوار مع صحيفة «لوموند الفرنسية» الشهر الماضي، حيث قال إن «الصدام مع السلفية الجهادية يبدو محتوماً»، في إشارة إلى عدم رضوخهم لأساليب الحوار، الذي قال إن «الدولة تنتهجه معهم».
إلا أن كلام العريض المتضمن لـ«وعيد» للسلفيين، لم يعجب قادتهم الذين وصلوا إلى تهديده على نحو علني، وخاصة المتحدث باسم السلفيين أبو عياض، الذي حذر العريض من اللعب بالنار والمواجهة معهم.
من جهته، أشار وزير العدل عن حركة النهضة، نور الدين البحيري، إلى أن السلفيين «تجاوزوا كل الخطوط الحمراء، وسيُعاقون بحزم»، وأكد أن فسحتهم انتهت، وهو ما رد عليه السلفيون بـ«إقامة عرض سلفي ضخم في مدينة القيروان»، حيث استعرضوا قوتهم في فنون القتال، تحت صيحات وتوعدات بكسر «أعداء الله».
الخطورة في هذا التراخي أنه قد يؤدي حتماً إلى صدام وشيك بين السلفيين، الذين يعدون 10 آلاف شخص، وباقي مكونات المجتمع، ما قد يقسم المجتمع التونسي، وخصوصاً أن بعض المواطنين بدأوا باتخاذ هذا الاتجاه، فيما حذرت نقابة أعوان الأمن من تراخي الدولة بعدم توفير إطار قانوني لحماية أفراد الشرطة للتصدي لهذه الظواهر الشاذة في المجتمع التونسي.