القاهرة | الخيار الصعب بين الإخوان المسلمين والحزب الوطني مجدداً. هذا ما كان يمكن الخروج به بعد قرار اللجنة القضائية العليا للانتخابات الرئاسية التي أعلنت، أمس، رسمياً نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. ورفضت الطعون المقدمة من المرشحين في الجولة الأولى، ليصبح من شبه المؤكد انتقال كل من مرشح جماعة الإخوان محمد مرسي وآخر رؤساء عهد مبارك، أحمد شفيق، إلى الجولة الثانية.
أمام هذا الواقع، بدا أمس أن قطاع الرأي العام المنتمي إلى الثورة ليس كتلة واحدة، إذ اختار «الاشتراكيون الثوريون» إصدار بيان أعلنوا من خلاله توجههم للتصويت لمرسي لإسقاط أحمد شفيق «مرشح المجلس العسكري والحزب الوطني المنحل وقوى الثورة المضادة». وفجّر بيان «الاشتراكيون الثوريون» جدلاً واسعاً بين فصائل ونشطاء اليسار، قبل أن تعود الحركة لتؤكد أن البيان يعبر عن موقف مبدئي سيخضع للمراجعة.
كذلك بدا، أمس، أن التصويت بورقة بيضاء هو خيار آخرين من قبيل المرشح اليساري الخاسر خالد علي، الذي أعلن موقفه في اجتماع ضمه أمس مع قادة عدد من «الأحزاب المدنية» والشخصيات العامة.
وقال المجتمعون في مقر الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، إنهم سيعلنون موقفهم النهائي حيال جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية غداً، مشيرين إلى تشكيل ثلاث لجان، إحداها لصياغة مقترحات بشأن الدستور الجديد. أما اللجنة الثانية فستناط بها مهمة صياغة وثيقة تعهدات من الرئيس الجديد، فيما تتولى الثالثة صياغة ورقة بعنوان «كيف يمكن استنهاض التيار المدني».
علي اعترف لـ«الأخبار» بأن «الانتماء للتيار المدني، لا للانحياز الاجتماعي، كان العنصر المشترك بين المجتمعين»، موضحاً أن «التوافق على وثيقة التعهدات بصورتها النهائية هي الفيصل بما يجب أن تتضمنه من مطالب العدالة الاجتماعية وعودة شركات القطاع العام». هذا التعريف الواسع لـ«الكتلة الثالثة» في الانتخابات كان وراء حضور المرشح الرئاسي الخاسر عمرو موسى للاجتماع، بالرغم من أنه ينظر إليه من قبل قطاعات من الكتلة نفسها على أنه مرشح مقرب من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومن أنصار الحزب الوطني المنحل.
التسريبات من الاجتماع كشفت عن وثيقة مبدئية ضمن ثلاث وثائق يفترض الدمج بينها. وتتضمن الوثيقة الإقرار بحق الشعب في الثورة حال عدم تنفيذ بنودها أو مخالفة الدستور أو الحقوق والحريات العامة. والوثيقة، التي لم تتضمن تأييد أي من المرشحين، طالبت بتشكيل فريق رئاسي من عدد من النواب، يعلن الرئيس عن أسمائهم قبل انتخابات الإعادة. كما طالبت بالالتزام بالبدء فوراً بمشاورات تشكيل حكومة ائتلافية، على أن يعلن اسم رئيس الوزراء قبل الجولة الثانية.
إلا أن الوثيقة ظهرت كأنها تتحسب مبكراً لتولي المرشح الإسلامي رئاسة الجمهورية. ونصت على تبني مؤسسة الرئاسة اقتراح تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور من أعضاء يختارهم الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشورى من بين ترشيحات الجهات المختلفة. وتدعو الوثيقة إلى أن يلتزم الاجتماع بالاختيار من بين من ترشحهم الهيئات والتجمعات والأحزاب. وطالبت بأن تعلن أسماء أعضاء الجمعية التأسيسية قبل انتخابات الإعادة لمنصب رئيس الجمهورية، وأن تتبنى المؤسسة نفسها اقتراح النص في الدستور، على أن تكون مبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي الاتفاقات الدولية التي صدّقت عليها مصر ذات مرتبة أعلى من التشريع العادي. ومن بين المطالب أيضاً، أنه لا يجوز تفسير أي نص تشريعي بالمخالفة لهذه المبادئ، وأن تلتزم المؤسسة بالإبقاء على المادة الثانية في دستور 1971، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع كما هو دون تغيير.
في موازاة ذلك، يتم الالتزام بتفسيرات المادة الثانية التي أقرتها المحكمة الدستورية العليا في أحكامها المتعاقبة، والالتزام بمبدأ المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص والحقوق والحريات المدنية، وفي مقدمها حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والحريات الدينية. هذا فضلاً عن الإقرار بمبدأ مدنية الدولة ومناهضة الدولة الدينية والدولة العسكرية.
كذلك تتضمن الوثيقة المطالبة بتبني مؤسسة الرئاسة اقتراحاً بأن يكون تنظيم وضع القوات المسلحة في الدستور مماثلاً لما يتضمنه دستور 1971 مع خضوع ميزانيتها لرقابة مجلس الشعب.
وفي خضم هذه التطورات، يبدو أن خيار العودة إلى التظاهرات الحاشدة، التي خبرها المصريون جيداً، لاح في أفق الفريق الثالث من جديد. وشهدت مصر أمس خروج تظاهرات في محافظات عدة، من بينها العاصمة المصرية القاهرة، احتجاجاً على قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية رفض طعن حمدين صباحي، واحتجاجاً على عدم استبعاد شفيق من السباق برمته.
إلى ذلك، عقد عدد من أهالي شهداء ثورة «25 يناير» مؤتمراً صحافياً، أمس، أعربوا خلاله عن رفضهم التام لنتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، مشيرين إلى أنهم بصدد تنظيم وقفة احتجاجية اليوم أمام دار القضاء العالي، للمطالبة بعزل شفيق. ورأوا أن فوز شفيق أو مرسي بالرئاسة بمثابة «خسارة كبيرة للثورة».