«بس طلعت عالحدود فكرت إنّو رح أبكي»، بنت نوح عمرها 22 سنة، ولم تبك عندما زارت الحدود الفلسطينية. أنهت دراستها الجامعيّة وحظيت بعمل يربيها على مسايسة الأوضاع. لا تذهبوا بأفكاركم بعيداً؛ فعملها شريف ومحترم، لكن عيبه أنه تابع لسياسة تنظيمية فلسطينية لا ترى الآخرين. وعملها هذا يشبه إلى حد ما بنت نوح وهي تطعم قطتها وتربيها على سلوك محدد. تبحث دائماً عن بطل يقدّم لوطنه ما لم تستطع أن تقدّمه، مثلما تبحث عن زوج صالح، وهي طبعاً لا تخبرك بذلك. وتنتظر العودة إلى الوطن مثلما تنتظر منزلاً جديداً. تصرخ عندما تجادل، وتظهر عليها أمارات الغضب، فتبدو أكثر جمالاً. تحدّثك عن الطبيعة والأشجار وحقوق النباتات علينا، علماً بأنّ المخيم الذي تعيش فيه يخلو من المناظر الطبيعيّة، ما عدا منظر ساكنيه ـــ وخاصة أطفاله ـــ وهم يتلقّون الأمطار بفرحة العيد وتحدّي المرض. مؤمنة بأن للمرأة دوراً يجب عدم تجاهله، وتسعى إلى تحقيق ما لم تستطعه في هذا المجال، وصورة دلال المغربي المعلّقة على مكان عال في غرفتها تعني لها الكثير.

عن قتل الأطفال تحدّثك، فتقول إن للقتل أشكالاً مختلفة المظهر، لكنها في النهاية واحدة: هي إنهاء جيل قبل أن يولد، وإنهاء دوره في النضال. فالأطفال، تعقّب، أولئك الذين ينتهون من المدرسة قبل أوانهم، يضيعون في مسؤوليات لم ينضجوا لها بعد. وعندما يكبرون لا يقدرون بدورهم على تغيير أوضاع أبنائهم... وتستمر الدوامة. وأطفال نهر البارد تلقوا صدمة حرب نهر البارد و«ضاعوا بطرف خيط ما بوصلك لفلسطين بتاتاً».
تكره القهوة وشاربيها، والدخان ومدخنيه. وتتذكّر موضوع المخدرات وكيف أن انتشارها في الأماكن الفقيرة هو أولاً كنتيجة لفساد المتعاطين، وثانياً كنتيجة لليأس والاستسلام، وربما كان السبب الأخير هو السبب الأكبر.
تؤمن بأنّ ما يحدث للشعب الفلسطيني هو «قضاء وقدر»، وبأنّه جزء كبير من اختبار إلهي له. هي قد تجادلك في أي موضوع، لكنها تنصت فقط إذا تحدث أحد في ماهية الله. تضحك أحياناً (للمفارقات)، لكنها تعود وتستغفر ربها، وتطلب منه السماح. تطلب من الأبراج حظاً سعيداً ويوماً موفقاً، فتشرب الأبراج مثلما تشرب كوب الحليب الصباحي. لكنها، في النهاية، تمضي مهما كان برجها «في غير مساره»، أو بمعنى آخر سيئ الطالع.
تحب المطالعة والقراءة وتلوم العرب كيف أن الكتاب أصبح «آثاراً قديمة وتحفاً للمنظر في مكتبات أولاد العرب لا أقل ولا أكثر»، بينما ما زال يحافظ على قيمته في أوطان العالم.
هي فتاة في ثياب شابة وما زالت تبحث.
* من أعضاء فرقة الراب الفلسطينية «كتيبة خمسة»