الجزائر | باتت أحزاب جزائرية عدة، بعضها محسوب على السلطة وآخر على المعارضة، مهدّدة بالانقسام. أما الأسباب، فتراوح بين خلافات بشأن التحالفات والعلاقة مع السلطة من جهة، وظهور زعامات جديدة ترفع راية التغيير من جهة ثانية. ودخل التجمع الوطني الديموقراطي، إحدى ركائز «الحلف الرئاسي»، دائرة الاضطرابات قبل أيام، بعدما أعلن بعض القادة فيه نيتهم سحب الثقة من الأمين العام أحمد أويحيى، الذي يشغل أيضاً منصب الوزير الأول منذ أربع سنوات. وتزعمت المبادرة نورية حفصي، الأمينة العامة لاتحاد النساء الجزائريات، ومعها مجموعة من الكوادر في قيادة الحزب، بينهم الطيب زيتوني رئيس بلدية الجزائر الوسطى، أغنى بلديات البلاد. وما زاد الوضع تأزماً تسجيل الحزب أكبر خسارة أمام جبهة التحرير في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في العاشر من أيار الماضي، إذ حصد الحزب 70 مقعداً مقابل نحو 220 لجبهة التحرير. وحمّلت قيادات وقواعد في الحزب أويحيى مسؤولية الإخفاق. والعامل ذاته، دفع جبهة التحرير إلى التلويح بإيجاد حليف جديد للمشاركة في الحكومة الجديدة، تمنى الأمين العام للجبهة، عبد العزيز بلخادم، أن يكون جبهة القوى الاشتراكية. وقدم أويحيى أول من أمس حصيلة عمله أمام اجتماع عادي لقيادة الحزب، مدافعاً عن خياراته السياسية، لكنه أعرب عن إخفاقه، بصفته رئيساً للحكومة، في تقويض الفساد المنتشر في المؤسسات والمجتمع. واعترف بأن «المال صار هو من يحكم الجزائر بدفع من أوساط المافيا». ويعيب الخبراء على أويحيى أنه يحنّ إلى فترة الاقتصاد الموجه، وأن توجيهاته عطلت الاستثمار في الجزائر، ولا سيما بعد فرض قانون عام 2009، يحتم على المستثمر الأجنبي في أي مجال في الجزائر إشراك طرف جزائري بنسبة 51 في المئة، ما قلص حجم الإقبال على الاستثمار على نحو واضح. وقد أخرج خصومه في قيادة الحزب هذه الملفات ووظفوها في محاربته.
لكن الأزمة التي دبت في أوساط التجمع ليست استثنائية، اذ اشتعل الخلاف داخل جبهة القوى الاشتراكية، أكثر أحزاب المعارضة الجزائرية راديكالية، على خلفية قرار المشاركة في الانتخابات البرلمانية. فبعد المقاطعة في الدورتين السابقتين 2002 و 2007، تقرر إجراء حوار معمق داخل الحزب لاتخاذ قرار حول المشاركة من عدمها. وبينما كانت كوادر الحزب وقواعده تناقش الموضوع، تدخل الزعيم التاريخي المؤسس للحزب، حسين آيت أحمد، المقيم في لوزان في سويسرا، وحسم الموقف. ووجه أوامر بدخول الانتخابات في الوقت الذي كان فيه الرأي الراجح في الحوار بين الكوادر الحزبية يتجه نحو اعلان المقاطعة. وتجري هذه الأيام اجتماعات لأتباع ومحبي الحزب في مختلف مناطق البلاد، لدراسة الموقف. وصدرت عن القيادة قرارات بفصل عدد من القادة، بمن فيهم الأمين العام السابق كريم تابو، بسبب تصريحات رفض فيها الوضع القائم، واتهم القيادة الحالية بمجاراة السلطة من خلال المشاركة في الانتخابات، والاتجاه نحو التفاوض على المشاركة في الحكومة بشكل من الأشكال.
في هذه الأثناء، يتواصل الغموض حول مصير الحكومة، التي يُفترض أن تعين بعد الانتخابات الأخيرة، فيما لم تظهر أي مؤشرات إلى بقاء الحكومة الحالية أو استبدالها. ووفقاً لما تتداوله دوائر سياسية واعلامية، فإن الصراع في أروقة النظام لم يحسم بعد، بين من يريدون بقاء الأوضاع على حالها بدعوى الاستقرار ومتابعة المشاريع القائمة، ومن يريدون إحداث تغيير ولو ظاهرياً لتفادي الانجرار إلى «ربيع ساخن» غير محسوب العواقب. وقد تسربت معلومات في الأيام الأخيرة، تفيد بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيعين حكومة برئاسة وزير الموارد المائية، عبد المالك سلال، وهو مدير حملته الانتخابية عام 2004، لكن بعض الأطراف، ترى أن هذا التسريب لا يعطي أي انطباع بحدوث تغيير كان قد وعد به بوتفليقة نفسه في خطابات عديدة سبقت الانتخابات. وإلى أن يحسم الصراع، تظل حكومة أويحيى مشلولة، لأنها لم تتلق الضوء بالاستمرار، ولم يحسم أمر مغادرتها.