سلّطت مجلة «فورين بوليسي»، في تقرير لها أمس، الضوء على الثروة الفاحشة لنجلَي الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، طارحة تساؤلات حول وضعهما وإمكان محاسبتهما في ظل الربيع العربي. وتقول إن المسؤولين الأميركيين وعدوا بأن يعيدوا النظر في اعتمادهم على الديكتاتوريات والقادة غير المنتخبين، الذين يغتنون على حساب مواطنيهم، بعد اندلاع شرارة الثورات العربية. لكن تبين لهم، وهم يحاولون الوفاء بهذا الوعود، أنّ عائلة واحد من أقرب شركائهم في الشرق الأوسط، أبو مازن، قد اغتنت بشكل قياسي ومثير للجدل.
تقول المجلة إن ثروة نجلي عباس أُثيرت في العلن على أثر محاكمة محمد رشيد، المستشار الاقتصادي لياسر عرفات، بقضية فساد. وتنقل عن مستشار فلسطيني سابق، أن عباس يحمل ضغينة لرشيد منذ محادثات السلام خلال ولاية بيل كلينتون؛ ففي تلك المرحلة، كان رشيد مكلّف للعمل مع إسرائيل كي يجد حلاً، فيما كان يعتبر عباس أن الدبلوماسية «فخ وُضع لنا (كفلسطينيين)». واستياء عباس من رشيد يعود أيضاً الى كونه كردياً عراقياً، وليس حتى فلسطينياً، ومع ذلك كسب ثقة عرفات وكان واحداً من الحلقة الضيقة المحيطة به، فيما كان عباس يراقب من بعيد. ويضيف المستشار نفسه إن عباس «كان يحمل في قلبه غيرة كبيرة تجاهه». وتشير المجلة الى أن رشيد بات جاهزاً كي يطلق نيرانه على عباس، بعدما أصبح ظهره للحائط، زاعماً أنه كسب 100 مليون دولار بطريقة غير شرعية، وفاضحاً أموراً كثيرة تتعلق بثروة نجليه.
وتقول «فورين بوليسي» إن ثروة نجلي عباس، ياسر وطارق، دارت في فلك جدل هادئ داخل المجتمع الفلسطيني منذ 2009، عندما نشرت سلسلة تقارير ربطت ثروتهما بعدة صفقات، بينها مجموعة تتلقى دعماً من الضرائب الأميركية. وتشير الى أن ياسر، الابن الأكبر، تخرج من جامعة «واشنطن ستايت» عام 1983 وحصل على اجازة في الهندسة المدنية، ويحمل الجنسيتين الفلسطينية والكندية، وعمل في عدة شركات خليجية حتى منتصف التسعينيات، قبل أن يعود الى رام الله في 1997 ويطلق عمله الخاص. واليوم هو يملك شركة «فالكون تواغو»، التي تتمتع باحتكار لبيع السجائر الأميركية في الأراضي الفلسطينية، وهو أيضاً عضو في مجموعة «فالكون» القابضة، وهي شركة تكتل فلسطينية تملك شركة «فالكون» للمقاولات الميكانيكية الكهربائية، وهي شركة هندسة تأسست في عام 2000 وافتتحت مكاتب لها في غزة والأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة والضفة الغربية. وبحسب المجلة، فإن نجاح هذه الشركة لم يكن من دون مساعدة العم سام؛ فشركة ياسر عباس تلقت مساعدات بنحو 1.89 مليون دولار من قبل «يو أس أيد» عام 2005 كي تبني نظاماً للصرف الصحي في الخليل. ومن الشركات التابعة أيضاً لمجموعة «فالكون» القابضة، شركة «فالكون لخدمة الاتصالات العالمية وشركة «فالكون» للاستثمار العام. ومن خلال شركات «فالكون» هذه، حقق ياسر في 2009 عائدات وصلت الى 35 مليون دولار في عام واحد.
«فالكون» ليست الحكاية كلها. ياسر موجود أيضاً على لائحة المعلومات المالية لـ CreditRiskMonitor.com التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، كرئيس لشركة «المشرق» التجارية، التي تملك 11 مكتباً في فلسطين، وتبلغ قيمة أعمالها 3.25 ملايين دولار. اضافة الى كل هذا، يعمل ياسر مديراً لشركة «فيرست أوبشن بروجكت كونستراكشن»، التي تساهم في العديد من المشاريع العامة، كالطرقات وبناء المدارس. وتملك «فيرست أوبشن» مكاتب في عمان وتونس والقاهرة ومونتينيغرو ورام الله، وهذه الشركة تستفيد أيضاً من الدعم الحكومي الأميركي، بحيث حصلت من «يو أس إيد» على 300 ألف دولار ما بين 2005 و2008.
وتقول المجلة إن ابن الرئيس مخول بكل تأكيد للعمل داخل الأراضي الفلسطينية، لكن السؤال هو ما اذا كانت علاقاته بالسلطة هي مؤهلاته الأساسية؟ وتدعم سؤالها هذا بالقول إن ياسر زار كازاخستان في 2008 كمبعوث خاص، كما أنه «يرافق أباه بانتظام في سفراته الرسمية»، بحسب مسؤول سابق في ادارة جورج بوش.
حان الآن دور طارق. تقول المجلة إن طارق يبدو أقل ميلاً من أخيه ياسر إلى الانخراط في المظاهر السياسية الفلسطينية، وهو طموح أكثر للعمل في مجال الأعمال. سيرته الذاتية تقول إنه يسير على خطى أخيه، وعمل في الشركات الخليجية نفسها، إضافة الى شركة تجارة تونسية في بداية التسعينيات. واليوم أصبح مقاولاً ناجحاً. شركته الأساسية هي «سكاي أدفرتايسينغ»، ويعمل فيها 40 موظفاً وقد حققت عام 2010 مبيعات تجاوزت 5.7 ملايين دولار. وهذه الشركة أيضاً عملت مع الحكومة الأميركية، بحيث تلقت في 2009 مليون دولار من «يو أس إيد» كي تدعم الرأي العام للولايات المتحدة داخل الأراضي الفلسطينية.
«عباس جونيور» موضوع أيضاً على لائحة شركة الاستثمار العربية الفلسطينية، كنائب رئيس مراكز «التسوق العربية» «أبيك»، التي تتبع لها شركة مركز التسوق الفلسطيني، وتقدر أعمالها بقيمة 2.4 مليون دولار. وتملك مركزين للتسوق، وثلاثة مراكز تجارية وناديين في الضفة. وتعتبر «أبيك» ناشطة جداً في الضفة الغربية. وفي 2010، حققت عائدات بأكثر من 338 مليون دولار، وتضع شركة طارق «سكاي أدفرتيزينغ» على لائحة خدماتها، إضافة الى شركة «يونيبال للتجارة العامة» ـــ مقرها رام الله، التي يشغل طارق مجلس إدارتها. وتملك «يونيبال» 4500 منفذ للبيع بالتجزئة داخل الأراضي الفلسطينية، وتوزع السلع للفلسطينيين، ومن ضمنها منتجات «فيليب موريس توباكو» و«بروكتر & غامبل» و«كيبلر».
المعلومات التي أوردتها «فورين أفيرز» مشتقة من تقارير سبق أن نشرتها «رويترز»، كما أن الشعب الفلسطيني يعلم عن هذا الثراء لأبناء عباس، لكن نادراً ما يجرؤ على إثارتها في العلن، بل يتناقلها همساً، بسبب الخوف المتنامي من ضباط السلطة الفلسطينية، الذين اعتقلوا صحافيين ومواطنين تحدوا سلطة عباس.
وتقول المجلة إنه مع انطلاق ثورات الربيع العربي، غاب الأخوين عباس عن النظر، وتتساءل الى أي ذهبا؟
(الأخبار)



فساد عام


الفساد في الأراضي الفلسطينية لا يقتصر عن نجلي عبّاس، إذ يذكر أن التقرير السنوي لديوان هيئة الرقابة المالية والإدارية الفلسطيني لعام 2011، الذي صدر رسمياً قبل أيام، قضايا تخص الفساد وهدر المال العام بمبالغ تجاوزت 718 ألف شيكل. وقال عضو الهيئة جمال أبو بكر (الصورة) إن هناك أخطاء ارتكبت حين تم سحب المركبات الحكومية من الموظفين. والتقرير تضمن فصلين، حيث تحدث الأول عن المنظمات غير الحكومية، وتحدث الثاني عن القطاعات العامة والحكم المحلي وشكاوى الجمهور. وأكد أبو بكر أن الديوان تلقى 55 ألف شكوى خلال عام 2011، وقام بتحويل 33 ملف فساد إلى هيئة مكافحة الفساد، مشيراً إلى أن التباطؤ من قبل المحاكم في البتّ بالقضايا مرده إلى كثرة الملفات المقدمة للجهاز القضائي. وحذر التقرير من وجود بعض الأدوية منتهية الصلاحية في المراكز الطبية، مطالباً بتشديد الرقابة على هذه القطاعات، ولفت أبو بكر إلى وجود مشكلة تتعلق بإصدار الجوازات الدبلوماسية للدبلوماسيين، وطالب المجلس التشريعي بالعمل على حلها.
(الأخبار)