تونس | في خطوة طرحت أكثر من سيناريو حول ما يدور في كواليس «سلطة الترويكا»، قدم المستشار الأول لرئيس الجمهورية التونسي، المكلف بالشؤون الاقتصادية، شوقي عبيد، استقالته. خطوة جاءت لتطرح العديد من الإشكاليات التي تتعلق بمدى فعالية التحالف الحكومي المبني على مبدأ المحاصصة الحزبية.وتأتي هذه الاستقالة بعد توجيه عبيد انتقاداً لاذعاً لحكومة «الترويكا»، التي يتزعمها رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي، والذي يعتبر «الآمر الناهي» في أروقة الحكم في تونس. وانتقد عبيد الصلاحيات الممنوحة للرئيس في القانون المؤقت المنظم للسلطات، الذي أقرته الحكومة بعد إعلان التحالف بُعيد انتخابات المجلس التأسيسي. وجاء الانتقاد حاداً في لهجته ومطالبه، إذ طالب عبيد الجبالي صراحة بحلّ «الحكومة الممتدة»، بسبب عجزها وضعفها على مستويات عدّة. ونشر المستشار المستقيل (أو المقال؟)، على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي «الفايسبوك»، مقالاً قال فيه «إنّ الدولة تتقدم ببطء شديد، على الرغم من مرور 5 أشهر على تولي حكومة الجبالي مقاليد السلطة». وأضاف إنّ «الحكومة، وخلافاً لما يُروّج حول استعادة النسق الطبيعي الاقتصادي، لا تستطيع إعادة عجلة الاقتصاد التونسي إلى عملها الطبيعي، وذلك ما أكده مؤشر «ستاند أند بروس» للتصنيف الائتماني إلى مرتبة دنيا وهي مرتبة «ب - ب»، وهو ما يعني عدم أهلية تونس لمواجهة الديون وتسديدها في موعدها، وهو ما قد يتسبب بزيادة نسب الفائدة على أصول القروض بالنسبة إلى الدول والمؤسسات المقرضة». عبيد عدّد، في «مقاله الرسالة»، أسباب وعوامل هذا التراخي، وأهمها: غياب مخطّط عمل لتأهيل القطاع المصرفي، وعجز ميزانية الدولة عن طمأنة العاطلين من العمل وتشجيع الاستثمار الخاص.
لم يكتفِ عبيد، في رسالته، بالنقد، بل عمل على وضع تصوّر بديل للخروج من «نفق المؤشرات الاقتصادية الحمراء»، معتبراً أن البلاد أمام خيارين كبيرين: «إما استخلاص العبر وتشخيص الواقع بطريقة دقيقة واتخاذ الاجراءات اللازمة»، وإلا الاستمرار في ما سماه «سياسة انتقاد المؤامرة ومواصلة السقوط في هاوية الجحيم».
ودعا عبيد رئيس الحكومة إلى تشكيل فريق كفؤ أو الاستقالة الفورية. كما طالبه بحلّ الحكومة الحالية لعدم كفاءتها وتأسيس حكومة انقاذ وطني، وتقليص عدد وزاراتها إلى 13 وزارة، تتكوّن من وزراء يمثلون الحقائب الرئيسية.
قوبلت هذه الانتقادات اللاذعة برفض من قبل مؤسستي الرئاسة والحكومة، حيث اعتبر رئيس الحكومة المؤقتة حمادي الجبالي، في حديث متلفز أنها تحمل الكثير من اللغط ومرفوضة.
من جهته، اعتبر مدير الديوان الرئاسي، عماد الدايمي، أن تصريحات عبيد لا تمثّل الرئيس المرزوقي، ويمكن أن تكون قد صدرت بصفة عفوية، لكنه أكد أن الرئاسة ستأخذ إجراءات تأديبية بحقه.
تذكّر هذه الإجراءات «باستقالة» الناطق باسم رئاسة الجمهورية، المستشار الاقتصادي، عدنان منصر، الذي نشر مقالات تنتقد العمل الحكومي. وهذا ما قد يطرح على الساحة السياسية التونسية عدة تفسيرات لسينايوهات يمكن أن تكون قائمة حول علاقة القصر الرئاسي بالحكومة، أو بتعبير آخر علاقة حركة النهضة الإسلامية بالمؤتمر من أجل الجمهورية. إذ يمكن أنّ تفسر انتقادات الحكومة بأنها رسائل تمررها دوائر القصر الرئاسي حول رفض مضمر لرئيس الجمهورية لأداء الحكومة، وأن مثل هذه الرسائل يمكن أن تدخل ضمن «حملة الانتخابات» السابقة لأوانها. ويعتبر المرزوقي حالياً مثل عصفور بلا أجنحة بغياب صلاحيات فعلية وتنفيذية لموقع رئاسة الجمهورية، واكتفائه بالتجوّل في ربوع قصر قرطاج، الذي طالما حلم بدخوله منذ أيام المنفى الباريسي.