حظيت الأزمة السورية، أمس، بساعات طويلة من البحث في أروقة الأمم المتحدة، متنقلة من قاعة الجمعية العامة إلى مجلس الأمن في جلسة مغلقة، خرج بعدها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى جانب كل من المبعوث الأممي كوفي أنان، والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، ليعلنوا في مؤتمر صحافي مشترك أن خطة النقاط الست تحتضر، لكن مع ذلك سيستمر العمل بها أخذاً في الاعتبار خطورة الوضع في سوريا وعدم وجود بديل على الأقل في الوقت الراهن.
ولفت الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن «سوريا تعيش في مرحلة انتقال وقد تنزلق إلى حرب أهلية، لذا لا بد أن نعمل مع شركائنا في المنطقة للحيلولة دون تدهور الأوضاع أكثر من ذلك وانتشار حال الفوضى، والوصول إلى تسوية سليمة». وشدد على أن «خطة أنان محور جهودنا ونستمر بدعمنا لها»، مشيراً إلى أن «الاجتماع المقبل لمجموعة العشرين سيمثّل فرصة سانحة لمناقشة الأزمة بطريقة معمّقة إلى أبعد الحدود، لأنه ما من شخص يمكن أن يتوقع إلى أي اتجاه تسير فيه الأزمة. وعلينا أن نكون على استعداد لكل السيناريوات، وعلى مجلس الأمن أن يقدم الخيارات، والأمر متروك لمندوبي المجلس لاتخاذ خيار مشترك». وأضاف «علينا اتخاذ قرارات شجاعة، وأن نتحدث بصوت واحد، ونقدم رسالة واضحة، العنف يجب أن يتوقف من كلا الجانبين»، مشدداً على أنه «لا بد من محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة أمام المحكمة الجنائية الدولية». وبعدما أشار إلى أن «الخطر من اندلاع حرب أهلية بات وشيكاً وحقيقياً»، حذر من أن «الإرهابيين يحاولون استغلال الفوضى». بدوره، اكتفى نبيل العربي بدعوة مجلس الأمن إلى تنفيذ التزاماته المتعلقة بالبند السابع، وتحديداً المادة 42 منه التي تتحدث عن ممارسة مختلف أنواع الوسائل دون التدخل العسكري.
من جهته، قال أنان، رداً على سؤال، «لست متأكداً إذا كانت الخطة قد ماتت أو إذا كان هناك نقص في تنفيذها»، قبل أن يضيف «أعتقد أن الخطة قد حظيت بتصديق كافة الجهات المعنية، وإن لم تنجح أو لم تفلح، فعلينا أن نبحث عن استراتيجيات أخرى، ولكن ما دمنا متفقين أنها لا تزال قائمة، فالبحث يتركز كيف نحثّ الحكومة السورية على تنفيذها».
وبعد التسريبات التي تحدثت عن نيّة أنان التقدم باقتراح «إنشاء فريق اتصال دولي جديد لسوريا يضم الغربيين وأيضاً روسيا والصين»، حليفتي دمشق، أكد المبعوث الدولي هذا التوجه، وأشار إلى أن «المفاوضات مستمرة بشأن مجموعة الاتصال»، وأن من المتوقع أن تشمل دولاً لها قدرة على التأثير على الوضع، بينها إيران. كذلك حذر من أن «أي عسكرة أخرى لهذه الأزمة ستفضي إلى تبعات كارثية»، وذلك بعد أن أكد خلال جلسة مجلس الأمن الدولي المغلقة أن الأزمة السورية ستخرج عن السيطرة قريباً، مطالباً القوى الكبرى بإبلاغ الرئيس السوري بشار الأسد أن عدم احترام خطة النقاط الست للسلام سيكون له «نتائج واضحة».
وكان أنان قد أشار في كلمته أمام الجمعية العامة إلى أن المسؤولية الأولى عن تطبيق الخطة تقع على الحكومة السورية. وتطرق أنان إلى المجازر المرتكبة، مؤكداً أنها مقززة، وأنه «يجب معاقبة المسؤولين»، محذراً من أنه «إذا لم تتغير الأمور، فإن مستقبل (سوريا) سيكون بلا شك للقمع الوحشي والعنف الطائفي والحرب الأهلية الكاملة».
وفي ما يتعلق ببعض التفجيرات التي شهدتها سوريا، أشار أنان إلى وجود لاعب ثالث على الساحة السورية، فيما كان بان قد أثار في جلسة مجلس الأمن تساؤلات «عمّا إذا كان (وجود) مراقبي الأمم المتحدة الـ300 في سوريا مفيداً بالنظر إلى الخطر». ونقل دبلوماسيون عن بان قوله «إن أسلحة ثقيلة ورصاصاً خارقاً وطائرات بدون طيار استخدمت ضد مراقبي الأمم المتحدة»، وهو ما دفع المندوب البريطاني، مارك لايال غرانت، إلى الحديث عن ضرورة البحث في تغيير تركيبة المراقبين الدوليين.
أما المندوبة الأميركية سوزان رايس، فأكدت أن خطة أنان تصل إلى مرحلة حرجة، محمّلة الحكومة السورية المسؤولية. وأضافت أن مجلس الأمن توصل إلى ضرورة فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري إن لم يمتثل. كذلك تطرقت إلى دور إيران التي قالت إنها لم تظهر أي بوادر بشأن نيتها المساهمة إيجاباً في الحل، متهمةً إياها بأنها «تؤدي دور الشيطان، دوراً هداماً». ولمّحت إلى اعتراض أميركي على انضمام إيران إلى مجموعة الاتصال ما لم يكن هناك التزام واضح منها بدعم خطة أنان وجعلها قابلة للتطبيق.
في المقابل، جاءت مواقف مندوبي روسيا والصين لتؤكد التزام البلدين بحل سلمي للأزمة واستمرار تمسكهما برفض أي حل عسكري. وأكد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، طرح فكرة عقد مؤتمر دولي بشأن سوريا، بعدما تحدث في الجمعية العامة عن أنه «يجب أن نحلل الوضع منطقياً، ومن الخطأ أن نعتمد على دعم مجموعات المعارضة، لذلك يجب أن نقرّ بأن تقديم السلاح إلى المعارضة المسلحة يزيد في اشتعال النيران». بدوره، أكد مندوب الصين لدى الأمم المتحدة السفير لي باودونغ أنه «ينبغي ألا يكون هناك تأخير في توقف العنف والعمل على خلق زخم للحل السياسي». وأضاف «نسعى أيضاً إلى رفض التدخل العسكري الخارجي».
في غضون ذلك، ردّ مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري، أمام الجمعية العامة، على الانتقادات الموجهة إلى بلاده، فأكد أن الحكومة السورية نفّذت كل المطلوب منها في خطة المبعوث المشترك، وقامت بكل ما يمكنها لتسهيل عمل بعثة المراقبين، معلناً استعداد دمشق لتقديم أقصى ما تستطيع لتنفيذ الخطة. وشدد على أن الحكومة السورية «تمد يد المصالحة الوطنية لكل القوى السياسية التي لم تتلطخ أيديها بالدماء للوصول إلى برّ الأمان الذي ننشده جميعاً». كذلك أشار إلى أن سوريا مستعدة «لاستقبال لجنة تحقيق من دول معروفة بأنها حيادية وحريصة على احترام ميثاق الأمم المتحدة» للتحقيق في المجازر. وجدد اتهام بعض الدول بأنها «ترعى العنف في سوريا».
إلى ذلك، رأى عضو مجلس الشيوخ الأميركي جو ليبرمان أن شنّ ضربات جوية على سوريا سيقلب المعادلة ضد الرئيس السوري بشار الأسد، داعياً الإدارة الأميركية إلى التحرك في هذا الاتجاه وتوجيه «ضربات لأهداف مهمة للحكومة السورية».
(أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)