سُمّيت الحركة السورية المعارضة «الرديف الثوري» لأنها كانت حركة مساعدات إنسانية للثوّار تولّت تأمين المواد الغذائية والطبية. حركةٌ رديفة سرعان ما امتدّ نشاطها لتواكب دعم المتظاهرين بالسلاح، مشكّلة جناحاً قتالياً، رغم أنها كانت من بين الرافضين للفكر المسلّح، ولا سيما أن قيادييها كانوا من أوائل المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام.
نبذ السلاح كان لاعتبارات انعدام التوازن العسكري بين الجيش النظام والمجموعات المعارضة المقاتلة. يقول الأمين العام للحركة المعروف بـ«أبو عبد الرحمن»: «الكلاشنيكوف لا يُسقط نظاماً. قاذف آر بي جي لا يمكنه ذلك أيضاً». ينطلق الرجل من هذه المقدمة ليغوص في ثنايا حديث يعود إلى بدايات الثورة فيقول: «كانت الحركة ترى أن نجاح الثورة في سلميتها». والسلمية هنا، بحسب القيادي في حركة الرديف، كانت تنطلق من بديهة أن «السلاح الفردي لا يمكن أن يُسقط نظاماً كنظام الأسد». كما أنه «لا يُسقط جيشاً كالجيش السوري، يمكنه فقط أن يحرق دبابة». يؤكد أبو عبد الرحمن أن المجتمع الدولي «لم يقف إلى جانبنا كما يجب»، مشيراً إلى أن «الدول رفضت أن تدعمنا بسلاح نوعي، والسلاح الموجود بحوزتنا لن يحقق غير استنزاف النظام دون أن يسقطه». ويقرأ في المواقف أن لا نية لدى الدول أصلاً للتدخّل العسكري لإسقاطه عنوة، مذكّراً بأنه «مع بدايات الثورة كنّا نعيش على أقاويل حصول حظرٍ جوي أو قيام تدخّل أجنبي»، ويضيف قائلاً: «لم يحدث أي من هذا ولا يبدو أنه سيحدث على الأقل في الأمد القريب».
وفي الوقت نفسه، يرى الأمين العام لحركة الرديف الثوري أن سلمية الثورة كانت أسلم لإسقاط النظام، معتبراً أن تسليحها «أرجأ النصر». ويعتبر أن «طول أمد الثورة من شأنه أن يستنزف الثورة أيضاً»، لافتاً إلى أن ذلك «يشكل تهديداً حقيقياً للمجتمع الحاضن لهم. فالنقص في الإمدادات الغذائية والصحية وارتفاع أعداد القتلى من شأنه أن يشكّل عامل إحباط لدى العائلات السورية التي يُفترض بها أن تكون الحضن الآمن لهؤلاء المقاتلين. وبالتالي فإنها ستنبذ الثوّار مطالبة بعودة النظام».

الأولوية.. سلاحٌ أم إغاثة

يشكو القياديون في الحركة من أطراف تدعم الثوّار بالسلاح، لكنها تُهمل مسألة المساعدات الغذائية والطبية. والقياديون هنا مجموعة اقتصاديين وتجار يعملون في كواليس الثورة من دون دراية النظام بميولهم المعارضة. يُفضّلون البقاء في الظل حرصاً على سلامتهم، لكنهم يبذلون ما في وسعهم من مال وجهد لإمداد الثوّار. يتحدث هؤلاء عن حالات صادفوها كانت مثالاً ساطعاً على أن بعض من يدعم الثورة في سوريا، لا يدعمها حبّاً بالشعب السوري، بل كرهاً بنظام الأسد. يُخبر هؤلاء أن ثلاثة مقاتلين في الجيش الحر كانوا يقبضون أموالاً بشكل دوري من شخصية سياسية مقيمة في تركيا بهدف شراء السلاح وإدخاله إلى سوريا. أُصيب اثنان منهم إصابة بترتت قدميهما، فلجأ رفيقهما الثالث إلى الشخصية نفسها لطلب المال لعلاجهما. المفاجأة كانت رفض الأخير إعطاءه المال قائلاً: «نحن ندعم بالسلاح فقط... اقصد الجمعيات الإنسانية ربما تساعدك».
يرى هؤلاء أن السلاح وحده لا يكفي لنصرة سوريا، فـ«عنصرا الإغاثة الطبية والغذائية هما الأساس للإبقاء على الحاضنة الاجتماعية للمسلّحين ولاستمرارهم». كذلك يتحدثون عن ارتفاع أعداد المعتقلين في السجون السورية ليناهز الرقم 100 ألف معتقل. يسألون عن مصيرهم مستغربين إهمال معظم الموجودين على الساحة السياسية التشديد على المطالبة بإطلاقهم. أما مسألة العقوبات الاقتصادية فيرون أنها أضرّت بالثورة من دون أن تطال النظام مثقال ذرة، «إذا وصل ثمن كيلو الرز إلى 100 دولار، فإن بشار يقدر أن يطعمه إلى ابنه، بينما لن يستطيع الشعب ذلك».
وفي السياق نفسه، ينطلق «أبو العبد» من الغايات الإغاثية للحركة ليصل إلى الجناح العسكري. يتحدّث عن عدة آلاف من المقاتلين يشكّلون فرقاً عسكرية وعدة كتائب عسكرية. يكشف أن بيده وبيد مجلس قيادة الحركة تأثيراً كبيراً عليهم وقدرة على قيادة حوار مع باقي الفصائل الموجودة على الأرض.

وثيقة الرديف الثوري

تعاني بعض الحركات الوازنة في الميدان السوري تهميشاً إعلامياً مقارنة بالتضخيم الذي تناله شخصيات معارضة ممن لا تملك حيثية ميدانية. وحركة الرديف الثوري مثالٌ ساطع على ذلك، علماً أن مكوّناتها عبارة عن خليط من نُخب ثقافية، قوامها أطباء ومحامون وتجار وأصحاب منشآت اقتصادية. انخرط هؤلاء في صفوف الثورة، فسُجن منهم الكثير أما الباقون فينشطون في دعم المقاتلين بالمال والسلاح والمواد الغذائية والطبية. ويبذلون ما أمكن لتقديم المساعدة. يستنكر هؤلاء هيمنة القوى الخارجية على هذه الشخصيات التي تطرح نفسها بديلاً عن النظام، علماً أنها بعيدة عن الأرض السورية منذ أكثر من عشرين عاماً. فيرون أن ذلك يفقدهم حرية القرار، بعكس النشطاء المعارضين «الذين يعيشون الثورة ويشتمّون رائحة الدماء التي تسقط يومياً لتروي ثورة سوريا». يعرضون مشروعاً يقولون إنه متكامل عن «سوريا في مرحلة ما بعد الأسد». وهناك وثيقة تشدد على ضرورة إدارة حوار عاقل بين مختلف فصائل الثورة على أرض الواقع لتوحيد الموقف في وجه النظام، أقلّه لتحصيل مكتسبات سياسية. وفي وثيقة حركة الرديف الثوري، يعتبر المجلس السياسي أن التدخلات الخارجية أدت إلى مزيد من الأزمات، ولا سيما أنها صادرت القرار السوري لوضعه على طاولة التفاوض مع النظام نفسه. وتنطلق الحركة من ثابتة أن التجارب الثورية التاريخية شهدت على تلازم العمل المسلّح مع العمل السياسي. والثابتة هذه تشير إلى أن وظيفة السلاح تأمين الشروط السياسية لإدارة الحوار الناجح لتحقيق المصالح والشعارات. انطلاقاً من هنا، يرى أعضاء حركة الرديف أن واجبهم يحتم عليهم استرجاع قرار الثورة من بازارات الارتهان والمتاجرة.



نقيب منشق... قتله تكفيريون


يبرز بين الأسماء القيادية في الجناح العسكري لحركة الرديف الثوري اسم النقيب أمجد الحميد (الصورة) الذي كان من أوائل المنشقين، والذي اغتيل منذ عدة أشهر على أيدي التكفيريين. كان الملازم أول حميد، الذي رُقّي إلى رتبة نقيب، يتولى قيادة لواء رجال الله. يشدّد عارفوه على أنه شخصية مثالية بكاريزما قيادية. يقولون إنه كان رجلاً بكل معنى الكلمة من عشيرة الحديديين من منطقة الرستن. «انشق عن الجيش السوري في أوائل الأحداث السورية عندما رأى تنكيل الجيش بأهالي الرستن»، يذكر أحد الضباط المنشقين أن خطابه الأخير في المحتشدين في الرستن أودى به ودفع المتضررين إلى التخطيط لإزاحته من الدرب. يومها قال: «هناك أناسٌ يُشكّلون عبئاً على الثورة». وأضاف: «نحن لا نقبل الاغتصاب والسلب والقتل الطائفي، نحن نرفض فكر العرعور ودعواته». طالب المجاهدين بـ«القتال ضد النظام وحده من أجل الحرية، وليس قتال بعضنا البعض». وكان قد حذّر في أحد بياناته، من التعاون مع أحد المشايخ التكفيريين المدعو لؤي الزعبي. لقد قُتل أمجد الحميد، قتله التكفيريون الذين يعملون على إذكاء نار الفتنة في سوريا.