بحسب المهلة الدولية، فإن مهمة المبعوث الدولي كوفي أنان في سوريا تنتهي في الواحد والعشرين من شهر تموز المقبل. ولكن تداعيات الصراع في سوريا وعليها أصابت مهمته بالشيخوخة المبكرة. فبعد زيارته الاخيرة لسوريا، عاد أنان إلى مجلس الأمن وبدا مستسلماً في إحاطته التي قدمها إليه. فهي بحاجة إلى عملية إنقاذ عاجلة، فاقترح العلاج الآتي: «إنشاء مجموعة اتصال حول سوريا مؤلفة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ودول أخرى في المنطقة».
السؤال هو لماذا تمّ الحكم دولياً على مهمة أنان، خلال الأسبوع الماضي، على أنها وصلت إلى لحظة الشيخوخة المبكرة، حتى قبل أن تستنفد وقتها الممنوح لها دولياً؟ الإجابة الدولية، وضمنها إجابة أنان عينه، تعزو ذلك بالأساس إلى فشله في وقف العنف. لكن الروس لديهم وجهة نظر مختلفة، وهي أنّ مجموعة أصدقاء الشعب السوري شجعت عبر تسليح المعارضة على استدامة العنف وتصعيده، خاصة في ظل مهمة أنان، والهدف من ذلك دفع الحدث السوري ليصل الى نقطة تشبه الوضع في يوغوسلافيا بعد مجزرتي البوسنة وسربرينيتشا ما بين 1995 و1998، حيث تمّ حينها، على أثر الأخيرة، تدخل الأطلسي عسكرياً من خارج مجلس الأمن. يعترف الروس، بالشكل على الأقل، أن الوضع السوري في هذه اللحظة بعد مجزرتي الحولة والقبير، وإعلان أنان إفلاس مهمته بنسختها الراهنة، نتيجة فشله في وقف العنف، يشبه وضع يوغوسلافيا عام 1998.
ومع ذلك حذّر الروس، الاسبوع الماضي، سواءً في لقاء الرئيس فلاديمير بوتين مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أو وزير الخارجية سيرغي لافروف مع نظيرته هيلاري كلينتون، من أنّ الوضع في سوريا مختلف، نظراً إلى إمكانات الجيش السوري العسكرية المهمة، في وقت أعلنت فيه موسكو أن لافروف سيسافر الى طهران، يوم غد، لبحث المؤتمر الدولي حول سوريا، الذي قالت وزارة الخارجية إنه «بدون المشاركة الإيرانية فيه لن تستغل فرصة التأثير الدولي البنّاء بشأن القضية السورية بالشكل الأمثل».
ويجري الإنصات بعناية في الغرب، حسب مسؤول في الخارجية الفرنسية، إلى كلام الروس حينما يتحدثون عن نوعية تسلح الجيش السوري وحجمه، لكون روسيا هي المورد الأساس له بالسلاح، وهي بالتالي الأخبر بقدراته العسكرية. ومن ناحية ثانية، يعرف الفرنسيون كما البريطانيون وتركيا ودول خليجية، أن مشاركة أميركا ضرورية لأي خيار عسكري في سوريا، وهي لن تعتمد خياراً كهذا قبل موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل.
وتصف تقارير دبلوماسية مجريات الوضع الدولي، كما تمظهر خلال الأسبوع الماضي، بأنه شهد إرهاصات إدخال الحدث السوري في عنق الزجاجة للأزمات الدولية. فمهمة إنقاذ مهمة أنان، كما أثيرت في لقاءات لافروف ــ كلينتون، ولقاءات الأخيرة، بعد يومين، مع أنان، وقبل ذلك بين هولاند ــ بوتين، ثم بين فردريك هوف ومساعدي لافروف في موسكو، أظهرت أنّ الوضع الدولي يتجه للتعاطي مع «الأزمة السورية» بوصفها «المسألة السورية» التي لن يكون ممكناً تسويتها، ومنع امتداد تشظّيها إلى باقي دول المنطقة، إلا من خلال مراعاة إشراك كل القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في صراع الشرق الاوسط، بشكل مباشر، في هذه العملية. وتخلص وقائع التشاور الدولي بشأن إنقاذ مهمة أنان، خلال الأيام الماضية، إلى المعطيات الأساسية الآتية:
أولاً، التسليم الدولي بأنه لا يمكن رسم مستقبل سوريا من غير دور محوري ومركزي لروسيا.
ثانياً، التسليم بأن مهمة أنان بحاجة إلى تعديل، وأن إعادة إنتاجها (أبعد من النقاط الست التي تمّ نعيها دولياً) تحتاج إلى أداة اتصال دولية واسعة، تتمثل فيها كل الاطراف التي تعبّر عن طبيعة التوازن الدولي والإقليمي الجديد، وهذا ما طرح أزمة دولية مستجدة داخل مهمة أنان، قوامها القوى التي يجب دعوتها للمشاركة في العملية الدولية لحل المسألة السورية.
ثالثاً، التسليم بتماسك الجيش السوري كمعبّر عن قوة النظام السوري، ليس فقط في مواجهة مشروع المعارضة الخارجية المسلحة، بل أيضاً في مواجهة جعل التدخل العسكري الخارجي أمراً غير مضمون النتائج.
كيف تمظهرت هذه المسلمات الآنفة الذكر خلال اللقاءات الدولية التي جرت تحت عنوان «تعديل» أو «إنقاذ مهمة» أنان، في الأيام الاخيرة، وأيضاً الى أي مرحلة وصلت في إنتاج الخيارات الجديدة للتعاطي مع الأزمة السورية؟
لقاء لافروف ــ كلينتون: جرى لقاء وزيري خارجية أميركا وروسيا على وقع كلام أنان في مجلس الأمن بعد زيارته الأخيرة لسوريا، حيث أعلن حاجة خطته ذات النقاط الست، إلى إجراء تعديلات عليها. وخلال اللقاء ركّز لافروف على النقاط الآتية: إصرار موسكو على متابعة مهمة أنان، مع موافقة روسيا على إجراء تعديلات عليها، وحددت روسيا مفهومها لهذا التعديل بإنشاء مجموعة اتصال دولية حول الأزمة السورية، على نحو ما اقترح أنان، وسمّى الدول التي ستشارك فيها: الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية ودول المنطقة المؤثرة بما فيها إيران.
لقاء كلينتون ــ أنان: بعد تدارس حصيلة مباحثات كلينتون مع لافروف، بادرت الأولى إلى لقاء أنان للتباحث معه في قضية إنشاء مجموعة الاتصال الدولية، وبحسب مصدر دبلوماسي، فإن الموقف الأميركي، في هذا اللقاء، تمظهر على الشكل الآتي: توافق واشنطن على مبدأ إشراك الجميع في حلّ الازمة السورية، ولكن الإدارة الاميركية لا تزال ترفض إشراك إيران في مجموعة الاتصال الدولية المنوي تشكيلها، ومنذ الآن تركّز أميركا على إيضاح تفاصيل مرحلة ما بعد تنحّي الرئيس بشار الاسد، وهي لا تمانع في إعطاء دور محوري لروسيا في إدارة المرحلة الانتقالية. وتطالب أميركا بإيجاد مكان محايد تجتمع فيه مجموعة الاتصال الدولية الموسعة المقترحة.