لم تكن «الحفة» معقلاً لمجموعات المعارضة السورية المسلّحة منذ بدء الثورة، إنما كانت المستقر الأخير قبل القضاء عليها. ورغم أن القرية الفقيرة كانت معروفة بمناوأتها للنظام السوري، إلا أن اسمها لم يخرج إلى الضوء قبل الأيام الأخيرة. هنا متابعة للمسار الذي سلكه المقاتلون المعارضون خلال الأشهر الماضية حتى حين وصولهم إلى هذه القرية الجبلية التي تسمى بالحفة نسبة إلى تموضعها على حافة جبل ممتدة بشكل طولي بين واديين، والتي تبعد نحو 27 كيلومتراً عن مركز محافظة اللاذقية.
المحطة الأولى للمسلّحين المعارضين، الذين قضى معظمهم في الاشتباكات الأخيرة، بدأت من بانياس. هناك مكثوا ردحاً من الزمن.
كان هؤلاء يتمركزون في الساحل ومن هناك ينطلقون لتنفيذ عمليات عسكرية، إلا أن اكتشاف أجهزة الاستخبارات السورية لسفينة التجسس الألمانية التي كانت راسية قبالة الشواطئ السورية خلال الأشهر الأولى لبدء الأحداث غيّر من وجهتهم. فقد تمكنت أجهزة النظام من العثور على رابط بينهم وبين السفينة المذكورة. وتحدثت المعلومات عن رصد نقل عتاد عسكري من أسلحة وغيرها إليهم عبرها، إضافة إلى تمويل مالي وإحداثيات معينة ومعلومات كانت تزوّدهم بها. وقد تمكنت على أثرها أجهزة الأمن من توقيف وقتل عدد كبير منهم.
إزاء ذلك، انقسم هؤلاء إلى قسمين. فارتحل قسم منهم إلى المخيمات السورية في تركيا والمنطقة المحاذية لها، علماً أن من بينهم كان أفراد المجموعة التي تعرّف أهالي المخطوفين إليهم بصفتهم أنهم خاطفو أبنائهم، وأبرزهم كان أحمد عبد الوهاب الملقب بـ«البطريق». أما القسم الآخر فتوجه إلى مدينة صليبة في اللاذقية التي ينتمي معظم قاطنيها إلى الطائفة السنية. المجموعة المسلّحة المذكورة لم تلق احتضاناً من أهل الصليبة، باعتبار أنهم متعايشون مع العلويين ومؤيدون للنظام. حاول هؤلاء افتعال فتنة بين أهالي الصليبة والمناطق العلوية المحيطة بها.
ورغم قتل هذه المجموعة 7 أشخاص من الطرفين بشكل يوحي بأنها عمليات تصفية متبادلة ارتكبها ملثّمون، إلا أن أهالي الصليبة أجمعوا على اتهام طرف ثالث تمثّل بهذه المجموعات الدخيلة. فاتحدوا وطردوا الدخلاء على بلدتهم. أُرغم هؤلاء على المغادرة فصعدوا إلى الحفّة. وهي منطقة فقيرة جداً تعتاش من الزراعة. كما أن جميع سكانها ينتمون إلى الطائفة السنية. هنا وجدت المجموعات المسلّحة الاحتضان الشعبي باعتبار أنها تمتلك المال.
وقد عمل أفرادها على استمالة الأهالي الفقراء وتعبئتهم دينياً. استغلّت مسألة أنها قرية مضطهدة نسبة إلى القرى العلوية المحيطة بها، ثم بدأوا بترسنتها عسكرياً، بعدما تمّت السيطرة على القرية بأكملها.
لم يأخذ هؤلاء بالحسبان أنها ساقطة عسكرياً، ولا سيما أن الجبال الممتدة من أوّل اللاذقية إلى طرطوس هي جبال علوية، باستثناء قريتين ينتمي سكانهما إلى الطائفة السنية هما المرقب والحفّة.
كان ذلك منذ تسعة أشهر، علماً أنه تردد أن هؤلاء المسلحين كانوا يتلقون جزءاً من التمويل من شخص يدعى بسام جعارة مقيم في بريطانيا. وفي هذا السياق، كشفت مصادر أنه إعلامي من اللاذقية تربى في القصور السورية، لكنه خرج من سوريا بين عامي 2005 و 2006 بعد توجيه تهمة شائنة له. عقب ذلك، ومع بدء الأحداث، أعلن عن نفسه معارضاً للنظام. وتفيد مصادر سورية معارضة بأن جعارة على علاقة وطيدة بوزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ. وبحسب المصادر نفسها، فإن بعض المجموعات المذكورة آنفاً تتبع له مباشرة وتأتمر بتوجيهاته بوصفه الأب الروحي والمموّل لها.
أما عن عملية الدخول العسكري إلى الحفة، فتشير مصادر ميدانية مطلعة إلى أن قوات النظام السورية عند محاولتها الدخول إلى البلدة بواسطة باصات، أصيب أحدها بقذيفة أر بي جي. وأعقب ذلك اشتباك عنيف أسفر عن تكبّد قوات النظام خسائر فادحة. وتحدثت المعلومات عن سقوط 52 عسكرياً في صفوف النظام.
عقب ذلك، استدعيت تعزيزات عسكرية. كما دخلت سيارات مصفّحة تعرف بـ BMB تحمل «رشاشات 14 ونصف و 23 مجوز»، كانت تطلق النيران يمنة ويسرة بكثافة كبيرة لتأمين التغطية للمجموعات المهاجمة. وتحت كثافة النيران، أطلق المسلّحون المحصنون قذائف هاون سقطت في قرى علوية، لتنهال بعدها قذائف الهاون المعاكسة عليهم. أثناء ذلك، انتشرت أخبار وقوع مجازر في الحفة تناقلتها وسائل إعلامية على اختلافها. قصد عدد من مراقبي الأمم المتحدة المكان المذكور، لكن حيل بينهم وبين مسرح العمليات العسكرية. تردد أن أهالي المناطق المحيطة اعترضوا سبيلهم، فيما ذكرت وسائل إعلامية منعهم من قبل النظام.
في هذه الأثناء، انهار مسلّحو المعارضة، فتمكنت القوات السورية من الدخول إلى البلدة بعدما قتلت 75 مقاتلاً منهم. وبنتيجة ذلك، تمكن قسم من المسلّحين ممن بقي على قيد الحياة من الانسحاب واللجوء إلى قرية حدودية مجاورة لتركيا.