القاهرة | لم يكن الصمت، أمس، انتخابياً فقط. صحيح أن فترة الصمت الانتخابي بدأت في الثانية عشرة من ظهر أمس، الا أن الصمت الشعبي حيال ما وصفته وسائل الاعلام بـ«الانقلاب العسكري الناعم»، بعد جلسة المحكمة الدستورية وقرار منح ضباط الجيش صفة الضبطية القضائية، سيطر على أجواء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المزمعة اليوم وغداً. ردود الفعل الشعبية تجاه حكمي المحكمة الدستورية العليا، أول من أمس، حول قانوني العزل وانتخابات مجلس الشعب، قد تكون الأداة الوحيدة تقريباً لقراءة تأثيرهما على سير جولة الاعادة اليوم، وكانت أولى بوادر هذه الردود قد جاءت هزيلة للغاية لدرجة انها اقتصرت تقريباً على تظاهرات ضمت المئات في ميدان التحرير. وهو ما قد يرجح انخفاض معدلات التصويت اليوم بشدّة، على خلفية هذا الإحباط الذي واجه قطاعاً واسعاً من الرأي العام، وهو القطاع الذي يدين بالولاء للثورة وعبر عن نفسه في التظاهرات العارمة، التي شملت معظم البلاد في الذكرى الأولى للثورة في 25 كانون الثاني الماضي من ناحية، وفي التصويت لصالح حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في أيار الماضي من ناحية أخرى.
لكن الباحث السياسي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، يرجح في حديث لـ«الأخبار» أن يؤدي الحكمان الى تعاطف قطاع من الناخبين مع محمد مرسي، مرشح جماعة الاخوان المسلمين ورئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية للجماعة، وهو الحزب الذي كان يحوز أكثرية مقاعد مجلس الشعب قبل الحكم بحله، «فطبيعة المصريين هي الجنوح الى التعاطف مع الأطراف التي لم تحصل على مساندة (من السلطة أو من القضاء أو المسؤولين)».
من جهة ثانية، يرجح ربيع أن يؤدي أداء حزب «الحرية والعدالة» حيال تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد الى تراجع أعداد من الناخبين ممن كانت قد قررت التصويت لمرسي عن قرارها «ليس الى حد إبطال أصواتها أو المقاطعة فقط، بل ربما الى التصويت الى منافسه (أحمد شفيق) أيضاً، كرد فعل مباشر على ما بدا أنه هجمة دينية على الدستور اذا جاز التعبير».
وكان تشكيل الجمعية التأسيسية قد أثار غضباً واسعاً بين قطاعات من الرأي العام رأوا فيه محاولات حثيثة من الاحزاب الاسلامية المهيمنة على غالبية مقاعد البرلمان بغرفتيه. واستبعد الباحث المصري ارتفاع عدد المقاطعين للانتخابات من جراء دعاية مجموعات من النشطاء على خلفية المخاوف من التزوير لصالح شفيق المقرب من المجلس العسكري، كون المخاوف من التزوير لم تتعد قطاعاً من النخبة ولم يجر الترويج لها شعبياً. لكن رأي ربيع هذا يتناقض مع تقرير نشرته وكالة «رويترز» أمس ويخلص الى أن المقاطعة أو ابطال الاصوات الانتخابيه بات توجهاً قوياً عشية جولة الاعادة.
ويضيف التقرير أن «قوة الحركة تشير الى أن حالة التخبط السياسي التي تشهدها البلاد منذ إطاحة حسني مبارك قبل 16 شهرا قد تستمر في مصر بعد الانتخابات سواء كان الفائز شفيق القائد السابق للقوات الجوية أو مرسي مرشح الاخوان».
من جهتها، نفت غادة شهبندر، الناشطة الحقوقية وإحدى عضوات حركة «مبطلون»، أي تأثير لحكمي القضاء الدستوري على قوة حركتها لصالح التصويت لمرسي. وقالت لـ«الأخبار» إن موقف «مبطلون» «لم ينشأ رفضاً لمرشح أو آخر بل رفضاً للعملية الانتخابية من أصلها، فكل مراقب لها يعلم أن المرشحين في جولة الاعادة ربما كانا أكثر من خالف قواعد الانفاق على الدعاية الانتخابية، بخلاف طبعاً هذا التحصين في الاعلان الدستوري لقرارات اللجنة العليا للانتحابات الرئاسية، وهو اجراء لا نكاد نجد له أثراً في الانتخابات في العالم، وحرمان كل الجهات المدنية، بما فيها المرشحون أنفسهم، من الحصول على نسخة من قواعد بيانات الناخبين الذي لا يمكن تفسيره الا كنية مبيتة للتلاعب فيها». وشددت على أن ابطال الصوت محاولة لمنع الفائز في عملية «معيبة من أن يصف نفسه كرئيس شرعي وصل لمنصبه بقوة الاصوات في الصندوق».
هذا التشكيك في الانتخابات لم يقتصر على من قرروا ابطال أصواتهم على ما يبدو، بل تعداه الى متعاطفين مع مرسي، من قبيل معاذ عبد الكريم، عضو «ائتلاف شباب الثورة»، الذي قال لـ«الأخبار» إن الائتلاف حاول إقناع محمد البلتاجي وأسامة ياسين وسعد الحسيني، أعضاء مجلس الشعب المنحل عن حزب «الحرية والعدالة»، بانسحاب محمد مرسي من السباق الرئاسي، ازاء وجود توقعات بالتزوير «لكن بلا جدوى، فقد شدد الثلاثة على ان قرار استمرار مرسي في جولة الاعادة نابع من قرار قواعد الجماعة (جماعة الاخوان المسلمين)».
الا أن عبد الكريم قال إن الائتلاف لا يستطيع دعوة الناخبين الى المقاطعة أو حتى تأييد مرسي، «فقد فضلنا ترك الخيار للجماهير بالرغم من أن التزوير أصبح شبه مؤكد، وبالرغم من أن الانتخابات برمتها ليست الا مسرحية يريد بها المجلس العسكري أن يثبت أن انقلابه ليس انقلاباً».