في تشرين الأول من العام الماضي، ودعت السعودية ولي عهدها الأمير سلطان بن عبد العزيز بعدما أنهكه المرض على مدى أعوام طوال، لتنتقل بعدها ولاية العهد بسلاسة إلى شقيقه، الأمير نايف. لكن الموت لم يمهل الأمير نايف سوى أقل من 9 أشهر في منصبه الجديد، ليشغر كرسي ولاية العهد للمرة الثانية، ما أعاد تسليط الضوء على هرم جيل أبناء الملك عبد العزيز، وحتمية انتقال الحكم إلى جيل الأحفاد خلال السنوات القليلة المقبلة.
أما حالياً، فمن غير المرجح أن تشهد الأوضاع تغييرات جذرية، وخصوصاً أن الفراغ لم يصب العرش. ولم تخب الترجيحات التي كانت تصبّ معظمها في نية الملك السعودي تعيين وزير الدفاع الحالي، الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولياً للعهد خلفاً للأمير نايف، لتلقى على عاتقه ابتداءً من الأمس مهمة إدارة البلاد وخصوصاً في ظل التردي المتسارع في صحة عبد الله بن عبد العزيز، الذي ظهر في تشييع الأمير نايف معظم الوقت جالساً على كرسيه غير قادر على الحركة.
والأمير سلمان، صاحب الـ 76 عاماً، يعدّ من أصغر أبناء عبد العزيز المنتمين إلى الجناح السديري، أقوى أجنحة العائلة الحاكمة. ويعرف عنه احتفاظه بعلاقات جيدة مع معظم الأمراء بحكم توليه مجلس العائلة المالكة السعودية، المنوط به مهمة متابعة الشؤون الداخلية لأسرة آل سعود، فضلاً عن احتفاظه بنفوذ قوي داخل هيئة البيعة التي يرأسها الأمير مشعل. واكتسب الأمير سلمان أيضاً نفوذه من خلال شغله على مدى أكثر من 50 عاماً منصب أمير الرياض، ما جعله على تماس مباشر مع أغلب الفاعليات الاقتصادية والاجتماعية في المملكة.
وعلى الرغم من أنه أقل تشدداً من الأمير نايف، إلا أنه يحسب على الجناح المحافظ، وسبق أن أدلى بتصريحات تعبّر عن حذره من الإصلاحات وتفضيله أن تجري بهدوء. وقد حاول خلال توليه وزارة الدفاع في الأشهر الماضية، إظهار قدرته على ملء المنصب. وإلى جانب حرصه على زيارة المواقع الميدانية للقوات السعودية، قام بعدد من الجولات حول العالم، أراد من خلالها توطيد علاقاته بالمسؤولين الأجانب. وقد أشيع في الآونة الأخيرة أنه أصرّ على مغادرة المملكة في إجازة، بالرغم من مرض الملك وسفر نايف للعلاج في محاولة للضغط لتعيينه نائباً ثانياً لرئيس الوزراء، قبل أن يجد نفسه في موقع ولي العهد.
والتعيين السريع، الذي جاء بعد يوم من تشييع الأمير نايف على الرغم من أن العادة جرت أن يحصل بعد انتهاء أيام العزاء الثلاثة، لا يمكن فصله عن رغبة الملك في حسم التساؤلات التي برزت عن قدرة المملكة على تجاوز اختبار تعيين ولي العهد الجديد، وخصوصاً بعدما سرّب البعض أنباءً عن إمكانية استبعاد سلمان، وتعيين أخيه الشقيق أحمد، في منصب ولاية العهد.
هذا الرد السريع، لا يخفي أن المرونة التي جرى خلالها تعيين سلمان، لن تستمر إلى ما لا نهاية، وتحديداً في مرحلة ما بعد الملك الحالي عبد الله بن عبد العزيز. فالملك، الذي يدرك جيداً طموحات الأمراء وأهمية موضوع الخلافة وما يثيره من صراع خلف الأبواب الموصدة للعائلة الحاكمة، بادر بعد توليه العرش خلفاً لشقيقه فهد، إلى إصدار نظام هيئة البيعة.
وعلى الرغم من أن الملك الحالي حرص على أن لا يفعّل نظام هيئة البيعة إلّا بعد وفاته، فقد شكّل النظام وقت صدوره في عام 2006 خروجاً عن القاعدة المألوفة في المملكة، التي تقوم على تعيين الملك ولي عهده من دون الرجوع إلى أحد. ولم يمنع التحول، الذي حمله النظام بسبب تحديده لآليات اختيار ولي العهد وحتى تضمنه مواد تنص على أساب موجبة تتيح إعفاء الملك أو ولي عهده من ممارسة صلاحياتهما، من بروز تشكيك في مدى قدرته على تنظيم الخلافات على الحكم داخل العائلة الحاكمة، وتحقيق انتقال سلس للسطة.
وقد جاءت المواقف التي تلت تعيين الأمير نايف العام الماضي في ولاية العهد عقب وفاة سلطان، لتعطي أولى الإشارات إلى الخلافات المتوقع نشوبها بين أبناء الملك عبد العزيز وأحفاده بمجرد وفاة الملك الحالي. صحيح أنه يومها لم تتأخر هيئة البيعة، ولو شكلياً، في التصديق على اختيار الملك لنايف ولياً للعهد، لكن لم تلبث بعدها أن بدأت ترشح التسريبات عن الامتعاضات. فأعقب وصول نايف إلى منصب ولي العهد، إصدار الملك السعودي قراراً بإعفاء نائب وزير الدفاع السابق، الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز، من منصبه. والقرار الذي خالف المعتاد لغياب عبارة «بناءً على طلبه»، لم يتم فصله في حينه عن الخلافات حول الحكم، وخصوصاً أن الأمير عبد الرحمن لم يكن يخفي تذمره من استبعاده الدائم عن المناصب الرئيسية، ولا سيما أنه أصغر سناً من نايف وسلطان، قبل أن ينفجر الخلاف مع وصول نايف إلى ولاية العهد واستبعاده عبد الرحمن عن منصب وزير الدفاع.
بدوره، سجل الأمير طلال بن عبد العزيز امتعاضه بأسلوبه الخاص، وأعلن عبر حسابه على موقع «تويتر» استقالته من هيئة البيعة. وعلى الرغم من عدم ذكره الأسباب، كان الاعتراض على اختيار نايف وعدم بروز أي دور حقيقي للهيئة، السببين الوحيدين اللذين من الممكن الركون إليهما لتفسير الخطوة، في دلالة واضحة على أن التذمر داخل العائلة الحاكمة لن يطول قبل أن يخرج بنحو أوسع إلى العلن.



تعيينات جديدة

الأمير أحمد وزيراً للداخلية



حسم اختيار الملك عبد الله بن عبد العزيز للأمير سلمان لمنصب ولي العهد العديد من المناصب الأخرى؛ إذ احتفظ سلمان بوزارة الدفاع إلى جانب منصبه الجديد، على غرار شقيقه الراحل سلطان، بعدما كانت الاحتمالات تشير إلى إمكانية تعيين نجل الراحل سلطان، خالد، الذي يشغل حالياً منصب نائب الوزير، خلفاً لعمّه في الوزارة.
أما وزارة الداخلية، فذهبت إلى الأمير أحمد، الذي كان يشغل منصب نائب الوزير، على أن يحتفظ نجل الأمير نايف، محمد، بمنصبه مساعداً لوزير الداخلية، وخصوصاً أن الأخير يتولى منذ سنوات الملف الأمني في المملكة ويمسك بملفات أساسية، في مقدمتها ملفا القاعدة والإرهاب.
وبهذه التعيينات، من الواضح أن الملك السعودي أراد تجنب نقل عهدة وزارتي الداخلية والدفاع إلى نجلي نايف وسلطان، حرصاً على تجنب إثارة هذه التعيينات حساسية لدى أبناء عبد العزيز الذين يضعون نصب أعينهم الوصول إلى هذه المناصب في إطار الصراع داخل العائلة المالكة على الحكم.



وليّ العهد الجديد ستلقى على عاتقه مهمة إدارة البلاد بسبب مرض الملك وعجزه عن التنقل



الاختبار الحقيقي لنظام هيئة البيعة سيكون بعد وفاة عبد الله بن عبد العزيز حيث سيصبح تفعيله أمراً حتمياً



وفاة الأمير سلطان أعطت أولى الإشارات إلى الخلافات المتوقع تفاقمها مستقبلاً حول الحكم



تشييع نايف

شيَّع كبار المسؤولين السعوديين، ولي العهد الأمير نايف بن عبد العزيز، البالغ النفوذ في مكة أول من أمس، بحضور بعض قادة الدول العربية والإسلامية، إثر وفاته جراء مشاكل صحية في جنيف يوم السبت. وشارك في الصلاة على الجثمان الملك عبد الله بن عبد العزيز جالساً على كرسي بحضور عدد من الزعماء العرب.
وكانت مصادر طبية مطلعة في جنيف، قد أكدت لـ«فرانس برس» أن الأمير نايف، الذي شغل منصب وزارة الداخلية لأكثر من 37 عاماً، كان يعاني «مشاكل في القلب، وخصوصاً الشرايين». ولطالما عرف الأمير نايف بنهجه المحافظ. وسبق أن أعلن أنه لا يرى فائدة من انتخاب أعضاء مجلس الشورى، أو من وجود النساء في المجلس. أما خارجياً، فتبنى نهجاً متشدداً في العلاقة مع إيران، إلى جانب انحيازه إلى العائلة الحاكمة في البحرين في مواجهة المطالب الشعبية بالإصلاح.
(أ ف ب)