القاهرة | حلت، أمس، ذكرى جلاء آخر جندي إنكليزي عن الأراضي المصرية عام 1956. معظم الشعب لم يتذكر الحدث لانشغاله بحدث ربما على نفس الدرجة من الأهمية. فمع فجر أمس بدأت المؤشرات الأولية لنتائج أول انتخابات رئاسية بعد الثورة تشير إلى أن يوم 18 حزيران يمثّل جلاء آخر رئيس عسكري عن كرسي الحكم، بفوز مرشح حزب الحرية والعدالة «الإخواني» محمد مرسي، بغالبية أصوات الناخبين. فتاريخ مصر الحديث لم يعرف رئيساً مدنياً حتى الآن. وبدرجة كبيرة سيكون مرسي هو أول رئيس مدني. فبحسب الحملة الانتخابية لمرسي، فاز مرشح جماعة الإخوان المسلمين بمنصب رئيس الجمهورية، وفقاً لنتائج الفرز الأولية، بحصوله على ما يزيد على 13 مليوناً من الأصوات، في حين حصل الفريق أحمد شفيق على 11 مليوناً و 846 ألفاً من الأصوات، بعد إضافة أصوات المصريين في الخارج إلى هذا التصويت. وتصبح نسبة مرسي حسب حملته الانتخابية 52.5 في المئة مقابل 47.5 في المئة لشفيق.
وبعدما كشفت المؤشرات عن تقدمه، عقد محمد مرسي مؤتمراً صحافياً، بدا فيه كأنه يرسل رسائل تطمين إلى الداخل والخارج. وقال «لسنا بصدد الانتقام ولا تصفية الحسابات، وإننا الآن سننطلق للأمام وللغد، دون انتقاص من حق أحد ولا طغيان على حق أحد». وأضاف «الجميع الآن يسعى للدولة المصرية المدنية الوطنية الديموقراطية الحديثة». ومضى مرسي يقول «إلى كل رجال مصر وكل فئاتها، ومسلميها ومسيحييها، سأكون الأب والأخ لجميع المصريين». وأكد أنه «سيحمل هموم الجميع وسيسعى لخدمتهم» وسيصبح «أجيراً عند الشعب المصري، أقف من جميع أفراده على مسافة واحدة لا تفرقة بين المواطنين إلاّ بمقدار احترامهم للدستور والقانون». ولم يغفل مرسي، الذي خطب كرئيس، توجيه التحية إلى «أسر وأمهات شهداء ومصابي الثورة»، مشدداً على أن لهم حقاً في رقبته وأنه سيعيده إليهم بالقانون.
في المقابل، عقدت الحملة الانتخابية للفريق أحمد شفيق مؤتمراً صحافياً، أكدت فيه أن العملية الانتخابية شهدت «الكثير من الثغر الفادحة والتجاوزات الحادة والمخالفات الجسيمة والمؤثرة التي تعرضت لها عمليه الاقتراع يومي الانتخاب». وشددت على «رفضها التام لاستباق المرشح الآخر، محمد مرسي، للإعلان الرسمي عن النتائج ومحاولته اختطاف الانتخابات بادّعاء الفوز الكاذب فيها». وقال أحمد سرحان، أحد أعضاء الحملة والمتحدث الإعلامي، في المؤتمر الصحافي، في لهجة حادة «إن الاعلان المفاجئ من جانبهم عن نتيجة لم تتحقق هو محاولة لفرض أمر من اثنين: إما وضع اليد على منصب رئيس الجمهورية بدون إعلان النتائج الرسمية، أو الادّعاء بحدوث تزوير حين تعلن النتائج التي نثق بأنها سوف تكشف تفوّق مرشحنا». ورغم ما أكدته الحملة عن تفوّق الفريق، لمّحت أيضاً إلى عددٍ من الخروقات التي شهدتها العملية. وأكدت أنها ستتقدم بطعون بهذه الخروقات أمام اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، لافتةً إلى أن إعلان النتائج يمر بمراحل مختلفة، أهمها عمليات الطعن في النتائج.
ورغم السجال المتبادل بين الحملتين، تصرّ اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، الجهة الوحيدة المخوّل لها إعلان النتائج رسمياً، على عدم الاعتراف بالمعلومات والأرقام التي يتداولها أعضاء الحملتين، أو تلك التي تذاع على الفضائيات. وأكد عضو الأمانة العامة للجنة العليا للانتخابات الرئاسية، المستشار عمر سلامة، أن كل هذه النتائج غير رسمية. وأشار إلى أن اللجنة ستعقد مؤتمراً صحافياً، الخميس المقبل، لإعلان النتائج النهائية والرسمية. وأوضح لـ«الأخبار» أن هناك مرحلة الطعون التي سيتقدم بها المرشحان، ومن الممكن استبعاد أي من الصناديق التي قد يحتسبها أعضاء الحملات الانتخابية للمرشحين. وأكد أن الأرقام التي ينشرونها «مجرد حسابات خاصة بهم». وبعيداً عن هذه التصريحات الرسمية، بدأت أمس ردود فعل واسعة حول فوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين لانتخابات الرئاسة. وتجمع المئات في ميدان التحرير بوسط القاهرة، للاحتفال بفوز مرسي، ورقصوا في الميدان وحملوا أعلاماً عليها صور المرشح الفائز ورمز جماعة الإخوان المسلمين. كذلك هتفوا ضد المجلس العسكري، مردّدين «يا طنطاوي قول لعنان جبنا رئيسنا من الميدان»، في وقت رأى فيه المتحدث الرسمي باسم حزب النور، نادر بكار، أن تقدم مرسي في النتائج الأولية «نجاح لمصر كلها وليس لتيار بعينه».
من جهته، بارك الناشط السياسي وائل غنيم، أدمن مجموعة «كلنا خالد سعيد» على موقع «فايسبوك» بفوز مرسي. وقال في رسالة وجهها إلى شباب التيار الإسلامي والإخوان بصفة خاصة، «مبروك مقدماً فوز الدكتور محمد مرسي رئيساً للجمهورية، مبروك لكم فوز من وثقتم في أنه القوي الأمين، ومبروك علينا هزيمة مرشح النظام السابق الذي حرصنا على إسقاطه». وأكد في رسالته التي نشرها على حسابة الشخصي على ضرورة أن يتخلى الإخوان عن نبرتهم في التعالي. وقال «أرجو أن تحرصوا على أن تكون مظاهر الاحتفال مصـرية خالصة، فالدكتور مرسي لم يفز لأنه مرشح التيار الإسلامي ولا لأنه مرشح الإخوان المسلمين ولا لأنه رئيس حزب الحرية والعدالة، بل فاز لأن الملايين من المؤمنين بالثورة الراغبين في التغيير، والذين لم ينتخبوه في الجولة الأولى للخلاف السياسي والفكري، قرروا انتخابه وحقهم عليكم أن يشاركوكم الفرحة أيضاً».
في المقابل، أجّلت أغلب الأحزاب والحركات والقوى السياسية التعليق على ما يتردد من فوز مرسي، منتظرة النتيجة النهائية التي ستعلنها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.