لا تُشبه مدينة الرستن غيرها من المناطق السورية. في الشكل، شهدت موقعتين عسكريتين. صمدت فيهما لأيام قبل أن تسقط ويسقط معها عشرات القتلى من الطرفين. اقتحمها الجيش السوري في المرّتين ثم خرج. وعقب كل معركة، كانت قوى المعارضة فيها تُلملم نفسها وتعيد تجميع قواها. أبرز القوى في المدينة هي «لواء رجال الله» و«كتيبة علي بن أبي طالب»، التي يقودها الملازم أول فايز عبد الله. إضافة إلى هاتين المجموعتين، هناك مجموعة الضابط المنشق عبد الرزاق طلاس، التي دخلت إلى المدينة أخيراً، علماً بأن عديدها لا يتجاوز مئة عسكري، لكنهم مسلّحون تسليحاً جيّداً. وهناك أيضاً مجموعات متفرّقة تعمل مستقلة عن هذه القوى.
الفريد في مدينة الرستن نسيجُ قاطنيها. هنا يعيش مؤيدو النظام ومعارضوه جنباً إلى جنب. يعزز هذه الحالة صلة القرابة والمصاهرة التي تكاد تربط معظمهم. وفي هذه المدينة، الواقعة حالياً تحت سيطرة قوى المعارضة، يدخل أنصار النظام ومعارضوه ويخرجون من دون أن يتعرّض أحد منهم للآخر. وأبعد من ذلك، يُسجّل للمدينة وجود أكبر عدد من الضباط المنشقين فيها، إذ هناك من المدينة نفسها، التي يبلغ عدد سكانها قرابة 65000 نسمة، نحو 1560 ضابطاً يخدمون في جيش النظام، بينهم رئيس فرع تحقيق الأمن العسكري. يقابلهم في الضفة المعارضة نحو 90 ضابطاً منشقاً، أبرزهم قائد المنطقة الوسطى في «لواء رجال الله» العقيد قاسم سعد الدين، إضافة إلى رئيس الأكاديمية العسكرية وهو برتبة عميد ركن. ورغم كل هذا الخليط، يعيش هؤلاء بوئام وسلام كبيرين.
وتقول مصادر المعارضة في المدينة لـ«الأخبار» إن الضباط في جيش النظام يدخلون إلى الرستن ويخرجون منها بأمان. وتُفيد المعلومات عن اتفاقية أو هدنة غير معلنة بين أبناء المدينة، لكنها تلفت إلى أن هذه الهدنة بدأت تفشل. وتباشير إزالتها بدأت بالظهور، بعدما خطفت مجموعة تابعة لعبد الرزاق طلاس ضابطاً برتبة عقيد وأجبرته على إعلان انشقاقه أمام الكاميرا. بموازاة ذلك، تتردد معلومات، رصدتها أوساط المعارضة السورية، عن خطة ممنهجة تعتمدها قوات النظام للقضاء على المعارضين، فتشير إلى عمليات أمنية محدودة تدفع بالمعارضين الموجودين في المناطق المحيطة بحمص للدخول إلى الرستن. ويتحدث المعارضون عن بدء خروج الأهالي المؤيدين للنظام. ويتوقّع هؤلاء معركة طاحنة خلال الأيام المقبلة. وينقلون معلومات من مصادر النظام بأنه فور إخلاء جميع الموالين، ستُحاصر المدينة تمهيداً لدكّها.
وعلى إيقاع المعركة المتوقعة، بدأ نشطاء المعارضة بإعداد العدة للمواجهة. ورُصد قيام المجموعة التابعة للملازم أول فايز عبد الله بمهاجمة عدد من حواجز النظام. وهوجمت قاعدة جوية قرب الرستن. بموازاة العمليات، هناك مجموعات معارضة في المدينة تنقل جوّاً من التململ حيال ما يجري في المدينة. يتحدث هؤلاء عن اشتباكات متنقلة تجري بين الحين والآخر مع مجموعات دخلت إلى المدينة بهدف السيطرة عليها.
يقول قياديون في المعارضة السورية إنه بعد الاقتحام الأول للمدينة وخروج جيش النظام منها، بدأوا بإزالة الزفت وزرعوا تحته متفجرات موقوتة على مختلف الطرقات التي يُحتمل أن تدخل منها مدرعات النظام. لكن النظام فاجأهم لدى دخوله بأن قصف جميع الطرقات لتشتعل المدينة، ثم دخلتها قواته بسهولة.
سقطت مدينة الرستن مرتين، رغم الترسنة والمقاومة. المحاولات مستمرة والتحضيرات تجري على قدم وساق لمنع سقوطها للمرة الثالثة. بموازاة ذلك، معنويات المقاتلين في الحضيض، وهم يتهيّأون لمجازر مرتقبة سوف تحصل.