تونس | د لا يكون التوقيت الذي اختار فيه الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي إعلان ميلاد حزبه الجديد، اعتباطياً، وذلك في الأسبوع نفسه الذي شهدت فيه البلاد فلتاناً أمنياً، بدأ بأزمة «رسوم» قيل إنها مسيئة إلى المقدسات الإسلامية، وانتهى بإصابة متظاهرين، واعتقال سلفيين، ومقتل طالب جامعي.
الباجي أعلن السبت الماضي ولادة حزبه الجديد المتمخض عن حركة «نداء تونس»، تحت شعار «الصدق في القول والإخلاص في العمل». وقال إنّ حركة «نداء تونس» تعتبر «حركة لكل الوطنيين الأحرار ومنفتحة على كل الأحزاب السياسية، بما في ذلك حركة النهضة».
ولم يفت الرجل الذي عاصر جميع فترات التاريخ التونسي المعاصر أن يلعب على «حبال سياسية» جديدة، بحيث بعث برسائل متعدّدة لحكومة «الترويكا»، وخصوصاً لحركة «النهضة»، قائلاً إنّ الحركة الجديدة ليست «حركة معارضة بالمعنى التقليدي، بل هي حركة معاضدة ولا تعمل على إقصاء أي كان»، خالصاً إلى أنّها تحمل مشروعاً «لتجمع بين كل التونسيين على قاعدة المصلحة الوطنية». وحاول أن يدحرج كرة الثلج إلى ملعب «النهضة»، قائلاً «إننا نمر بمرحلة انتقالية يبقى التوافق السياسي فيها ضرورياً وخصوصاً في المراحل التأسيسية».
إذاً، أراد السبسي المرور من ثقب المرحلة السياسية الحالية، لكسب مشروعية سياسية على أساس وفاق وطني، يريد من خلالها إرساء حزب «ليعاضد العمل» الذي تقوم به الحكومة الحالية، وذلك «لدفع عجلة البلاد نحو الأمام» كما قال في خطابه. ومن هنا بدأ بكيل الانتقادات للحكومة، حيث قال إن حكومته «تمكنت من قيادة المرحلة الانتقالية الأولى وأحسنت تنظيم الانتخابات وسلمت السلطة بطريقة حضاري، لكن قلة خبرة الحكومة التي خلفتها في إدارة شؤون البلاد جعلتها تواجه صعوبات جدية».
وفي تقييمه للواقع السياسي لتونس، أشار السبسي إلى أن «هذه الحكومة هي حكومة مفوضة من قبل المجلس التأسيسي»، وهي معرضة للنقد من حيث «تقييم أدائها وما تمكنت من تحقيقه حسبما كلفت به من مهمات، وهو أداء يجب أن يكون مدفوعاً بالعمل من أجل وفاق وطني يضع خريطة سياسية ويعكس برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً واضحاً ينهض بحال البلاد».
ولم يكتف السبسي هنا بتبيين «الوضع السياسي» للحكومة الانتقالية الثانية، بل ضرب في صميم الثورة، حيث أكّد قائد السبسي أن الثورة التونسية كانت بلا «رأس»، أي من دون قيادة سياسية أو إيديولوجية. كذلك طرح علامات استفهام حول أداء الحكومة حيال «الهجمة السلفية الأخيرة»، وتساءل عن التأخير في التصدي لمن سمّاهم «مخربين».
ولم ينس رئيس الوزراء السابق أن يحدد مبادئ حزبه الجديد، التي لخصها في 6 نقاط «الإيمان بالدولة التونسية، والتمسك بالفصل الأول من الدستور، وعلم تونس راية واحدة لا تشاركها أي راية أخرى لا سوداء ولا بيضاء، والتمسّك بمجلّة الأحوال الشخصية، وتأكيد المواطنة على أساس المساواة، والتنصيص على الديموقراطية». ولعل هذه المبادرة التي أطلقها السبسي هي محاولة لإحداث توازن جديد في الخريطة السياسية التونسية، في وقت بدأت فيه حركة «النهضة»، مع شريكيها في «ترويكا السلطة»، بـ«التغوّل» السياسي، وخصوصاً مع حالة «التشرذم الحزبي» الذي يعانيه المشهد السياسي التونسي.
هذه الحركة الجديدة استقبلتها «أحزاب الترويكا» باستهجان كبير، خصوصاً من قبل أنصار «النهضة» الذين حضروا خارج قاعة الاجتماع ونادوا بسقوط «التجمعيين الذين بدأوا يعودون من ثقب مبادرة الباجي»، فيما حذر آخرون من «الثورة المضادة التي ستعيد إنتاج الاستبداد من جديد». ورغم هذا الاستهجان من جانب «النهضة»، إلا أن القوى اليسارية رأت في حركة السبسي تشكيلاً لمعارضة ليبرالية، لكنه لا يعبّر عن واقع المعارضة الفعلية التي يوجد فيها معارضة يسارية فعلية.