■ المنصب الجديد له تبعات من اعتقالات سياسية وملاحقة من أجهزة الأمن لطالما عانى منها السكرتير السابق إبراهيم نقد، كيف تهيّأت نفسياً لذلك؟
ــ الحزب في الأساس يعمل في ظل ظروف عالمية وإقليمية ومحلية غير مواتية. الرأسمالية الطفيلية الموجودة في الداخل تعمل على إعاقة عمل حزبنا بحيث أصبحت وكيلاً للاستعمار الخارجي بممارسته الشمولية ومنع ممارسة الديموقراطية وعدم فتح الطريق ليس أمامنا وحدنا، بل أمام كل القوى السياسية حتى تقول رأيها. في ظل هذه الظروف، أن يفقد الإنسان حريته ويعتقل ويعذب أو حتى يمكن أن يقتل، مسألة واردة تحت كل الظروف. ونحن عندما دخلنا الحزب كنا نتوقع الاعتقال في أي وقت. فأي عضو في الحزب الشيوعي السوداني معرض للاعتقال والتعذيب في أي لحظة.

■ هل سبق أن تعرضت لاعتقال خلال مسيرتك؟

ــ اعتقلت للمرة الأولى عام 1959 في قضية تهجير سكان وادي خلفا، بعد إنشاء السد العالي في مصر، ثم بعد ذلك اعتقلت عام 1971 لفترة ثمانية أشهر بعد انتمائي إلى الحزب الشيوعي بعام واحد. وبعد استيلاء نميري على السلطة، في عام 1981 تمت هيكلة مشروع «تويئة» لخصخصته، فأعلنا الاضراب على أثر ذلك في كل النقابات الموجودة، واعتقلنا لفترة طويلة، عدنا بعدها إلى العمل بعد انتفاضة 1985. لكن بعد ثلاثة أعوام طلب مني الحزب التفرغ للعمل الحزبي فقط، حيث كنت المسؤول السياسي للحزب. وفي بداية عهد الإنقاذ اعتقلت 8 أشهر، وحتى مغادرتي مدينة حلفا عام 1997 كنت أقضي شهراً داخل السجون وشهراً خارجها.

■ عملية انتخاب السكرتير السياسي للحزب مَرت بسهولة ويسر، عكس ما كان متوقعاً لها عقب رحيل نقد. ما هي كلمة السر في ذلك؟
ــ الحزب الشيوعي فيه ديموقراطية ومؤسسية واسعة. وكلمة السر أننا مارسنا الديموقراطية بطريقة واسعة، والمنصب هو سكرتير سياسي وليس سكرتيراً عاماً أو أميناً عاماً، لأنه في هذه الحالة يجري انتخابه في المؤتمر العام للحزب، ويكون موازياً للجنة المركزية ويتخذ القرارات بصورة منفردة.

■ باعتبارك الوافد الجديد لقيادات أحزاب المعارضة، هل أنت مقنتع بآليات المعارضة في تحريك الشارع، وهل قدمت رؤية جديدة؟

ــ بالتأكيد. وفي اجتماع المعارضة الأخير طُرحت وثيقة وإعلان دستوري، وجرت مناقشة واسعة حوله، قبل إجازته. كذلك قدم حزب الأمة ورقة لإضافتها إلى الاعلان الدستوري، وتم اتخاذ قرار تبدأ قوى المعارضة بموجبه خطوات عملية لاستنهاض الجماهير للخلاص من النظام، لأنه لا يوجد أمل في إصلاح هذا النظام الذي سبق أن دخل في اتفاقيات كثيرة مع أحزاب المعارضة، ودعاها إلى المشاركة في العمل القومي. لكن التجربة أثبتت أنه كان يستغل تلك الدعوات في تفويت الأزمة، وبعد ذلك ينقلب على ما اتفق عليه. والشق الآخر هو العمل المستقل وسط الجماهير وعمل تعبئة وسطهم، بهدف إطاحة النظام.

■ قدرة الحزب الشيوعي على قيادة العمل الجماهيري المعارض باتت ضعيفة، ما الذي يمكنك فعله لإعادة دور الحزب كقائد للعمل المعارض؟

- لم يفقد الحزب الشيوعي قدرته على تحريك الجماهير، لكن قد يكون فقد المنابر التي يتحرك منها. فالنظام أبطل مفعول المنظمات الجماهيرية وسط العمال والمزارعين والتنظيمات، وهيمن عليها ودجنها لمصالحه، وأخضعها لسيطرة الموالين له حتى يتمكنوا من السيطرة على السلطة والثروة في البلد. وبالتالي أفقد الجماهير، وليس الحزب الشيوعي فقط، منابر معروفة كانت تعمل على تحقيق مصالح فئاتها، وفي ذات الوقت تقوم بنشاط سياسي في مثل هذه المراحل.

■ لكن الشارع العام فقد الثقة بقدرة المعارضة على إسقاط النظام، كيف ستعيدون التفاف الجماهير حولكم؟

ــ هناك اتجاه عام في الآونة الأخيرة داخل الحزب الحاكم نفسه للتغيير، أي إن القوى النافذة التي تسيطر على الحكم تؤمن بالتغيير، ولكن ضمن حدود. وهناك تيارات أخرى داخل النظام ترى أن النظام فشل في تحقيق ما كانت تصبو إليه، لذلك تؤمن بضرورة زواله، عبر محاولة التخلص إعلامياً من كل نافذي الحزب الحاكم، وبالتالي يأتي الإنقاذ بصورة حديثة ومجددة لضمان استمراريتهم.
في الجانب الآخر، هناك في أحزاب المعارضة من يرى أن إسقاط الحكومة يمكن أن يؤدي إلى فتنة وحروب أهلية، وصوملة البلد. وترى هذه الفئة أن الحل في عمل حكومة قومية، وتسليم السلطة بطريقة سلمية.
في المقابل، ترى مجموعة أخرى من أحزاب المعارضة أن هذا النظام جُرّب من قبل وهو غير موثوق به، ومن الضروري إسقاطه وإسقاط سياسته. وقد توافق الجميع في الاجتماع الأخير على إزالة نظام الحكم نهائياً.

■ ما هو رأيكم في قضية جنوب السودان، وما هو أس الأزمة في رأيكم بين الدولتين؟

ــ مسألة الجنوب الأساس فيها أن اتفاقية نيفاشا كانت ثنائية، في قضية قومية تهم القوميات الأخرى الموجودة في السودان. كان من المفترض إشراك كل القوى السياسية في الحل. الحكومة لم تلتزم بالاتفاقية ولم تجعل من الوحدة جاذبة، وكانت النتيجة انفصال الجنوب، وظلت القضايا عالقة. وبهذا فإننا لم نكسب وحدة الجنوب ولم نكسب السلام بعد الانفصال.

■ في رأيك هل تمضي الدولتان في اتجاه الحرب، ولا سيما مع وجود حرب اقتصادية معلنة بينهما؟

ــ الحرب الاقتصادية فيها جوانب غير أخلاقية، حرمت مجموعات سكانية لا علاقة لها بالسياسة من الموارد الغذائية، بعدما أعلنت الحكومة في الشمال إغلاق الحدود مع الجنوب، حيث توجد قبائل مشتركة على الشريط الحدودي. وبالتالي السياسات أدت الى تفاقم الأمر في الجانب التجاري والاقتصادي بدل من حل الأمور سلماً لتمكن تلك القبائل من التعايش السلمي.

■ إذا كان الجنوب يعاني من فقدان الأمن الغذائي، فلا يمكن إنكار أن الشمال أيضاً يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة وموجة من الغلاء؟

ــ السياسات الحكومية بالضرورة كان يجب أن تؤدي إلى ذلك، لأنها لم تهتم بالمشاريع الزراعية ولا الصناعية. أموال البترول صرفت في وجهات غير إنتاجية في صرف بذخي، وبعد الانفصال وذهاب الثروة النفطية عانى الاقتصاد كثيراً، حيث لا توجد أموال كافية لتسيير الدولة والمشاريع الزراعية انهارت.
المسألة لا يمكن أن تحل بالقوة العسكرية، نحن رحّبنا بما يجري في أديس أبابا من مفاوضات بين الدولتين حقناً للدماء، لكن يتضح من تعثر المفاوضات أن المسألة تسير في اتجاه معقد، لأن الحكومة تفرض أجندتها على التفاوض. واللافت أن الحرب لم تعد مع الجنوب بل مع الجنوب الجديد في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، والتي نتجت من عدم الالتزام بتنفيذ بروتوكولات نيفاشا.

■ اتجهت الحكومة أيضاً إلى اتخاذ تدابير اقتصادية للحدّ من التدهور في الاقتصاد مثل رفع الدعم عن المحروقات.

ــ لا يجب أن يحمّل النظام أخطاءه للشعب. فالشعب الآن يعيش حالة كبيرة من الفقر، ويكفي أن نصف طلاب المدارس في العاصمة والمدن لا يتناولون وجبة إفطارهم. وإذا كانت هذه حال الطلاب في المدن والحضر، يمكن تخيّل الحال في أطراف السودان النائية التي ليس بها زراعة. الحكومة تمنع المنظمات من تقديم الإغاثة لسكان تلك المناطق، في حين تصرف ميزانية الحكومة في قنوات غير إنتاجية كالدفاع، فضلاً عن الترهّل في المناصب الدستورية والسيادية.

■ أزمة دارفور أدت إلى ملاحقة المحكمة الجنائية للرئيس البشير وعدد من قادة نظامه. كيف تنظر إلى المسألة، ولا سيما أن علاقة السودان الخارجية تأثرت كثيراً جراء هذه القضية؟

ــ الحكومة تعيش في أزمة، وهذه واحدة من أزماتها، وكما يقول المثل «جنت على نفسها براقش». فما يحدث الآن نتيجة للسياسات التي مارسها النظام في دارفور منذ اندلاع الأزمة عام 2003، وهي ممارسات جرى الكشف عنها حتى بلجنة التحقيق السودانية، فضلاً عن التحقيق الدولي الذي أقرّ بوجود جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بل وجود جرائم إبادة جماعية.
الأزمة تتمثل في أن تراكم سياسات الحكومة أدى في النهاية إلى عزل الرئيس، الأمر الذي تضرر منه السودان، لأن الرئيس أصبح لا يستطيع ممارسة مهماته وإنشاء علاقات دولية طبيعية. والبشير حتى الآن متهم عليه أن يمثل أمام المحكمة، ليبرر موقفه ويدافع عن نفسه، وإلا سيستمر الحصار الخارجي للبلد. وإذا كان الرئيس يحب السودان حقيقةً، كان عليه أن يقدم استقالته ويأتي رئيس آخر لديه حرية الحركة.

■ ثورات الجماهير العربية أنتجت حكومات إسلامية. ألا تخشى قوى المعارضة من تكرار التجربة في السودان؟

ــ أولاً علينا أن نعترف بأن الحراك العربي الذي حدث هو خطوة متقدمة ضد أنظمة شمولية أياً كانت، علمانية أو غيرها. وتحدث الآن عملية تغيير واسع في المنطقة، والبحث عن الديموقراطية هو المكسب الأساسي لثورات الربيع العربي. بعد ذلك عملت القوى الرأسمالية العالمية، عبر حلفائها في المنطقة، على احتواء الثورات العربية حتى لا يحدث تغيير جذري يتقاطع ومصالحها العليا، وبالتالي وصلت القوى التي كانت منظمة في الأساس، وهي التيارات الإسلامية. وأنا أتوقع أن تسير في الدرب ذاته الذي تسير فيه الجبهة الإسلامية الحاكمة في السودان، وألا تسعى إلى حل مشاكل المواطنين، لكن في النهاية الثورة هي تجربة، ويمكن أن تتوالى الثورات حتى تتمكن من تحقيق أهدافها.



رداً على سؤال عن سعي المعارضة للتنسيق مع الحركات المسلحة باعتبار أن الهدف مشترك، قال الخطيب: «صحيح أن هدف القوى المعارضة الداخلية والحركات المسلحة واحد، ولكن نختلف معهم في أن السلاح هو الوسيلة أو لا. فنحن نمد أيدينا إليهم للوصول إلى حلول حقيقية عن طريق عقد مؤتمر دستوري هدفه إسقاط النظام»