رغم أن الردّ الفلسطيني على الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة يعدّ أمراً متوقعاً ومألوفاً في الحسابات الإسرائيلية، إلا أن ردّ حركة «حماس»، بل وإعلانها الرسمي لمسؤوليتها، مثّل نوعاً من المفاجأة لدى صانع القرار في تل أبيب، وعزز لديه الانطباعات والتقديرات بشأن مفاعيل التغيير الذي يجري في الساحة المصرية. هذه الرؤية الإسرائيلية كان لها حضورها القوي في الخلاصة التي انتهت إليها المشاورات التي أجراها وزير الدفاع إيهود باراك مع القيادتين العسكرية والاستخبارية بشأن ردود الفعل الممكنة التي تَقرّر خلالها العمل «بنحو متوازن وتدريجي كي لا يؤدي ذلك إلى التصعيد».
في الإطار نفسه، أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بني غانتس أنّ المشكلة الرئيسية التي يواجهها الجيش تكمن، أكثر من أي وقت مضى، في الأوضاع القائمة في منطقة سيناء جراء تحولها إلى قاعدة لمنظمات «إرهابية». وشدد على ضرورة أن تكبح السلطات المصرية ذلك «عبر ممارسة سيادتها الحقيقية عليها». ونقلت صحيفة «معاريف» أن باراك وغانتس تباحثا في السبل الكفيلة التي تدفع المسؤولين المصريين إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزماً إزاء نشطاء المنظمات «الإرهابية».
بدورها، ذكرت الصحيفة أنه برزت في المؤسسة الأمنية دعوات «إلى الردّ على إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل»، لكنها نقلت أيضاً عن مصدر أمني قوله إن التقدير السائد في الجيش الإسرائيلي، أن الضغط الداخلي على حماس أعطى مؤشراته، وبالتالي قررت المنظمة «التنفيس» على شاكلة نيران صاروخية في المدى القصير باتجاه قواعد الجيش لعدم إعطاء إسرائيل ذريعة لردّ فعل قوي. ودعا المصدر إلى ضرورة «السماح لحماس بالنزول عن الشجرة». وأوضح مصدر عسكري إسرائيلي رفيع المستوى أنّه «لن نسمح باستمرار النيران على بلدات الجنوب»، وهدد مصدر آخر بأنه في حال تواصُل إطلاق الصواريخ، فإن «سلة الأدوات التي تحت تصرفنا كبيرة، وتسمح بضربة أليمة جداً لحماس، بحيث إنّ من الأفضل لها أن تزن خطواتها».
في السياق نفسه، لفتت صحيفة «هآرتس» إلى أن إعلان حماس مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ، للمرة الأولى منذ أكثر من سنة، يعكس تغييراً في الوضع، وبالتالي إن وجهة التطورات في الأيام المقبلة ما زالت غير واضحة. وأكدت الصحيفة أن هذا الأمر أثار قلقاً في القيادة الإسرائيلية، وخصوصاً أنه خلال الجولات السابقة عرف الطرفان كيف يكبحان النيران بسرعة نسبية، بهدف منع الانزلاق إلى مواجهة واسعة.
وأوضحت «هآرتس» أن الجولة الحالية مرتبطة على ما يبدو، بنحو غير مباشر، بما يحدث على الحدود المصرية، وأن كل ذلك يجري على خلفية فوز الإخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة المصرية.
من ناحيتها، رأت صحيفة «إسرائيل اليوم» أنّ ما يميّز الصواريخ الأخيرة التي سقطت على جنوب إسرائيل، هو أن مصر قد تغيّرت، ولم تعد كما كانت في السابق، «فلا وجود لسلطة مستقرة، والمجلس العسكري ضعيف، وحتى الآن ليس لديها رئيس جمهورية معروف ومتفق عليه». أما صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فرأت أن حماس فوجئت بقوة الرد الإسرائيلي وأن «قواعد اللعب» غير المكتوب تجيز لإسرائيل بأن تجبي ثمن مقتل جندي لها. ولفتت الصحيفة إلى أنّ الوضع قابل للانفجار، وأنّ الساعات القريبة حاسمة من قبل الطرف الإسرائيلي ومن قبل حماس التي يوجد في داخلها العديد من الجهات التي تفرح لهذا الاشتعال.
ميدانياً، استشهد الشاب الفلسطيني غالب أرميلات (21 عاماً) والطفل مؤمن الأضم (14 عاماً)، في هجمات جوية إسرائيلية، يوم أمس، مع استمرار القتال المتصاعد عبر حدود قطاع غزة لليوم الثالث. وقالت إسرائيل إن أرميلات عضو في «تنظيم الجهاد العالمي»، وضالع في التخطيط للعملية العسكرية التي وقعت على الحدود مع مصر، صباح يوم الاثنين الماضي. وأشار الجيش الإسرائيلي إلى أنّ فلسطينيين أطلقوا زهاء 20 صاروخاً على إسرائيل، يوم أمس، لكنها لم تسبب إصابات.