رام الله | يُشعل المستوطنون حربهم ضدّ الفلسطينيين في كل مكان من الضفة الغربية. يحاربونهم في أرزاقهم وممتلكاتهم وأرواحهم. وبلغ هؤلاء المستوطنون من القوة درجة أصبحوا هم المتحكمين بحكّام إسرائيل، الذين يحتاجون الى أصواتهم في الانتخابات، وإلى جرائمهم في المؤامرات المتواصلة ضدّ الفلسطينيين، وضدّ أية فرصة للسلام على هذه الأرض.
آخر حالات إرهاب المستوطنين، كانت قبل أيام عندما أحرقت مجموعة منهم المسجد الكبير لجبع، وهي مدينة تقع شمال شرق القدس المحتلة، ما ألحق به أضراراً مادية كبيرة به، كما كُتبت شعارات عنصرية على جدران المسجد؛ ففي تمام الساعة الواحدة والنصف، فجر ذلك اليوم، سُمعت نداءات من أهالي القرية بأن المسجد يحترق، حيث تركزت النيران في جهة واحدة من جهات المسجد، لكن الأهالي تمكنوا من محاصرة النيران وإخمادها.
الشعارات العنصرية التي كُتبت على الجدران، جميعها تدل على أن من دخل المسجد هم مستوطنو «أولباناه» لأنهم كتبوا اسم «أولباناه». وقد تحدث مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية غسان دغلس، لـ«الأخبار» عن إرهاب المستوطنين، واصفاً إياه بأنه يأخذ منحىً تصاعدياً، وصل إلى أعلى مستوياته، وخصوصاً مع إفراط المستوطنين في استخدام السلاح ضدّ المواطنين الفلسطينيين العزل.
ورأى دغلس أنّ المستوطنين والحكومة الإسرائيلية يستغلون حالياً ما يجري في كل العواصم العربية، كون هذه الأحداث تبعد الأنظار عما يجري في فلسطين، وبالتالي هم يتصرفون دون حساب لأحد، ويواصلون الاستيطان والتهويد، والأخطر «الارهاب» الجديد.
الأسوأ في هذا الارهاب، كما يصفه دغلس، هو أن الحكومة الإسرائيلية تتحايل على قرارات المحاكم الإسرائيلية، كقرارات إخلاء البؤر الاستيطانية وشرعنة الاستيطان، ما يعطي المستوطنين المبرر لفعل ما يريدون دون حسيب أو رقيب. وأكّد مسؤول ملف الاستيطان أن «الحاصل الآن في دولة الاحتلال هو أن حكومة العصابات ودولة الاستيطان هي التي تحكم إسرائيل، وسياسة دفع الثمن، التي تمارس ضدّ الفلسطينيين نحن فعلاً من يدفع ثمنها في أرواحنا، وممتلكاتنا، وكل ما يتعلق بحياتنا».
وهذا ما يؤكّده، بدوره، غسان الخطيب، مدير مركز الإعلان الحكومي في رام الله، الذي رأى في حديث لـ«الأخبار» أنّ «أسباب إرهاب المستوطنين هي سياسية وأيديولوجية، لأنّ الفلسطينيين يعتقدون بأنّه في الوقت الحالي لا فرق بين المستوطنين وجيش الاحتلال والحكومة الإسرائيلية، لأن ثلاثتهم يتخذون أقصى درجات التطرف»، مشيراً الى أن الأمر فعلاً «معركة بقاء».
وتحدث الخطيب عن إيلاء الحكومة كل الأولوية لتمكين المواطن في مناطق إرهاب المستوطنين، والتي تتركز غالباً في المناطق التي يطلق عليها «ج» حسب اتفاق أوسلو، وفي القدس المحتلة، ومنطقة الأغوار. ويعتبر أن الحكومة نجحت في وضع هذه الأولوية على الأجندة الدولية، مذكراً ببيان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الشهير في 14 أيلول، وبيان الرباعية الذي تبعه، وكلاهما تحدث عن مناطق «ج» وأهمية البناء وتمكين الفلسطينيين والسلطة على حد سواء فيها.
ومن أجل التصدّي لهذا الارهاب، يقول الخطيب إن هناك ثلاث نقاط رئيسية للصمود: أولاً، عبر مزيد من المقاومة الشعبية السلمية، وكل ما استطاعوا للدفاع عن الأرض التي تعتبر دائماً بأنها مثل «العرض» لا يمكن تركها أو التخلي عنها، لأن هذه المقاومة تساهم ايجاباً في الصمود. وثانياً، من خلال الجهد الدبلوماسي الممارس من غير السلطة، مثل مؤسسات المجتمع المدني، والنشطاء، وحملات المقاطعة التي أثبتت نجاحاً ملحوظاً وأحدثت صراعات داخل المجتمعات الأوروبية لمقاطعة المستوطنين اليهود وبضائعهم، ما يشكل ضغطاً على إسرائيل بكل أطيافها. وثالثاً، من خلال التعاضد والتضامن بين الجميع مواطنين وحكومة، للعمل بجهد مشترك، من أجل مواصلة الصمود على هذه الأرض، لأن المعركة صعبة وطويلة.
وكان تقرير لجيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن تسجيل أكثر من 600 حالة اعتداء من قبل المستوطنين الإسرائيليين بحق المواطنين الفلسطينيين في مناطق مختلفة في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة. واستهدفت معظم حالات الاعتداء مواطنين فلسطينيين، ومركبات تابعة لهم، بالإضافة إلى حرق المساجد وقطع وحرق أشجار الزيتون في الأراضي التي يمتلكونها.
أما أبرز هذه الاعتداءات، فكان في الخليل حيث استشهد الشابان أنور خليل عبد ربه، من بلدة يطا، ونعيم سلامة محمد النجار من بلدة إذنا غرب الخليل جراء قيام أحد المستوطنين بإطلاق النار باتجاههما قرب منطقة السيميا غرب السموع، وأصيب ثالث بجروح بعد إصابتهما إصابة مباشرة في الرأس والصدر، فيما شهدت نابلس اعتداءات على الأراضي الفلسطينية من قطع أشجار وحرقها، وتوسيع ثلاث بؤر استيطانية في ريف نابلس الجنوبي، تقع وسط تجمع للقرى الفلسطينية، والاقتحامات المتكررة لمقام يوسف في المدينة.
تجدر الإشارة الى أن عام 2011 شهد إحراق خمسة مساجد في مختلف مناطق الضفة الغربية ومدينة القدس، اضافة الى محاولة حرق كنيسة قديمة في القدس. وفي جميع عمليات الإحراق، كتبت شعارات عنصرية ومسيئة للإسلام والمسيحية والمواطنين.



يقول مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، غسان دغلس، في حديث لـ«الأخبار» إن «(رئيس الحكومة العبرية بنيامين) نتنياهو عقد صفقة مع المستوطنين من أجل احتوائهم، لأنّه يمتلك 91 عضو كنيست الآن، وعمل على أن يصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى نصف مليون مستوطن، بما فيها القدس المحتلة، مع وجود 184 مستوطنة، و171 بؤرة استيطانية غير شرعية، وكل هذه الأرقام تؤكد وجود مثل تلك الصفقة».