بات محمد مرسي، مرشح حزب «الحرية والعدالة» وجماعة الإخوان المسلمين، حديث الناس، بعدما أصبح سيد القصر ورئيساً للجمهورية. لكن من هو محمد مرسي، ذلك الرجل الذي لم يعرفه الرأي العام المصري بقوة، إلا من خلال خوضه انتخابات الرئاسة، وكسب تعاطف الكثير منهم بوصفه المخلّص من الدولة العميقة.
محمد محمد مرسي عيسى العياط هو اسم خامس رؤساء مصر. رجل ستيني من مواليد قرية العدوة بمحافظة الشرقية إحدى محافظات دلتا مصر، وذلك في 20 آب 1951. تخرج من كلية الهندسة في جامعة القاهرة قبل أن يحصل على منحة دراسية الى كاليفورنيا بالولايات المتحدة، حيث عمل بعدد من المشاريع في وكالة «ناسا»، قبل أن يصبح استاذ ورئيس قسم علم المواد بكلية هندسة الزقازيق.
مرسي هو أكبر أخوته، وله من الأبناء خمسة، حصل بعضهم على الجنسية الأميركية بسبب ولادتهم هناك وقت دراسته وعمله. كذلك خدم في الجيش المصري بين عامي 1975 و1978 . تأثر بالحركة الإسلامية وانضم إليها في سبعينيات القرن المنصرم، فكرياً ثم تنظيمياً. ويُحسب على تيار التنظيم داخل الجماعة، ولديه نوع من الإعجاب العام بسيد قطب. يملك وفقاً لمقرّبين منه داخل الجماعة «شخصية نمطية قادرة على نحو كبير على أداء مهمّات تنفيذية معقدة»، إلى جانب مهارات تخطيطية. شارك في أعمال اللجنة السياسية منذ انضمامه إلى الإخوان، وتدرّج داخلها حتى أصبح مسؤولاً عنها خلال السنوات الماضية، ومتحدثاً باسم الجماعة.
تولى الرئيس المصري الجديد منصب عضو مكتب الإرشاد من عام 2000 إلى عام 2011، أي في الوقت الذي تولى فيه رئاسة الحزب. وحصل على جائزة أفضل برلماني في العالم عن فترة 2000 ـ 2005 التي قضاها عضواً ورئيساً للكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب. اعتقل مرتين في العام 2006 و2011، واللافت انه كان معتقلاً لحظة اندلاع الثورة، ولم يطلق سراحه إلا في جمعة الغضب الأولى في 28 كانون الثاني، حين تم فتح السجون لإخراج المعتقلين.
ورغم خفوت شخصيته وضعف كاريزماه خلال تاريخه السياسي، وهو ما جعل منه شخصية مجهولة للرأي العام، كان احدى أهم أذرع الجماعة في التفاوض الدائم مع السلطة، سواء أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك إبان الانتخابات، أو أثناء الثورة مع عمر سليمان في الوفد الذي مثل الإخوان في لقاء القوى السياسية، أو مع المجلس العسكري عقب الثورة.
وقد أثر هذا الأمر في بدايات حملة مرسي، رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذي ترشح كبديل احتياطي للمرشح الأصلي خيرت الشاطر، رجل الجماعة القوي، وصاحب الكاريزما. كما انعكس هذا الوضع على المجهود الخارق الذي بذلته الجماعة في الشارع في بدايات انطلاق حملة مرسي، بعد استبعاد الشاطر لأسباب قانونية.
وكان أبرز ما هدد مرسي في الفوز هو تصويره وكأنه سيكون تابعاً للمرشد محمد بديع ولمكتب الإرشاد، على الرغم من إعلان المرشد حلّه من البيعة التي منحها مرسي له، ما يعني تحلّله من الالتزام بقرار الجماعة. لكن استمرار مرسي في مجلس شورى الجماعة، اضافة الى كونه عضواً مؤسساً في الحزب، جعل الكثيرين يتشككون في صدقية هذا الأمر. الا أن تعهدات مرسي الأخيرة بعد اجتماع القوى المدنية والثورية معه، والتي وعد فيها بأن يكون نوابه من خارج حزب «الحرية والعدالة»، وأن تكون حكومته ائتلافية موسعة، وأن يكون رئيسها شخصية وطنية مستقلة، هدأ الخواطر والمخاوف، ودفعهم الى الاصطفاف معه لمواجهة أحمد شفيق. هذا فضلاً عن حاجة الحركة الوطنية المصرية إلى اصطفاف آخر يتجاوز مسألة الرئاسة ويتموضع حول رفض قانون قرار الضابطية القضائية والإعلان الدستوري المكمل وحلّ مجلس الشعب.
ويراهن مرسي في نجاحه الفترة المقبلة على عدد من العوامل الى جانب الاصطفاف الوطني، كالتنظيم والبرنامج القوي، الذي أثنى عليه العديد من المراقبين، إضافة الى القواعد الشعبية التي تكفل له تنفيذ هذا البرنامج وفق رؤية الحزب والجماعة.
ومن اللافت جداً في الشخصيات الداعمة لمرسي أنها تتركز في أغلبها على رجال الدين، أو من يرتبطون بالدين؛ فمن واقع المنشورات التي كان يوزعها أنصار مرسي أثناء فترة الدعاية الانتخابية في المرحلة الأولى يمكن العثور على صور الشيخ المحلاوي والداعية راغب السرجاني، وصفوت حجازي ومحمد عبد المقصود وغيرهم، مع بعض لاعبي الكرة ممن عرف عنهم التدين أو حسن الخلق، كهادي خشبة ومحمد أبو تريكة، أو بعض الفنانين أصحاب الأدوار الدينية كوجدي العربي، أو علماء كزغلول النجار.
وزاد عدد هؤلاء أثناء فترة الدعاية بمرحلة الإعادة لينضم إليهم رموز وطنية كحمدي قنديل ووائل غنيم وحسن نافعة وغيرهم من كافة التوجهات ممن وجدوا فيه منقذاً من اختيار «الدولة العميقة ممثلة في شفيق».
واللافت في مشوار مرسي الى الرئاسة أنه لم يترشح لكونه راغباً في الأمر، أو لأنه يرى نفسه كفوءاً للصراع حول ساكني قصر الرئاسة المصرية، أو إدارة البلاد، بل ترشح لأنّه قرار الجماعة، كما لعب القدر دوراً مساعداً في مختلف محطات الحملة الانتخابية.
ويعدد رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر، محمد المهدي، المقومات الشخصية لمحمد مرسي في مجال الرئاسة، ويرى أن «ملامح وجه مرسي تكشف أنه نادراً ما تراه مبتسماً، ويبدو أنهم حاولوا أن يجعلوا الصورة مبتسمة، فخرجت بابتسامة مجهضة، على اعتبار أن الوجه لم يتدرب على الابتسامة». ويضيف أن «ملامح الوجه تغلب عليها المرارة، الحزن، الغضب، كما أن التواصل البصري غير موجود بصورة عالية، وهو رجل تنظيمي وحركي من الطراز الأول، وربما تكون له نجاحات كثيرة في الإخوان كتنظيم وكحركة، لكن على مستوى منصب الرئيس يحتاج إلى أن يكون فيه تواصل بصري، ونوع من الكاريزما التي تحمس الناس، وتعطيهم الإحساس بالكرامة والعزة وتدفعهم إلى العمل. وهو لديه نقص في هذه المقومات».




تهانئ دولية

تلقى الرئيس المصري الجديد، محمد مرسي، سيلاً من التهانئ الغربية بعد إعلان فوزه، أبرزها من الولايات المتحدة التي دعت عبر بيان للبيت الأبيض إلى أن تواصل مصر دورها «ركيزةً للسلام الإقليمي».
من جهته، أكد الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، أن فرنسا «على استعداد للعمل مع مرسي»، معرباً عن الأمل في «مواصلة العملية الانتقالية التي بدأت في البلاد في 2011».
ومن بين المهنئين أيضاً وزير خارجية بريطانيا، وليام هيغ، الذي دعا الرئيس الجديد إلى احترام حقوق المواطنين المصريين، مشدداً على أن «من المهم أن تدعم الحكومة الجديدة الوحدة الوطنية والمصالحة، وأن تبني جسوراً بين شرائح المجتمع. أما وزارة الخارجية الإيرانية، فأعربت في بيانها «عن ثقتها بتحقيق الشعب المصري النجاحات على صعيد تحقيق التقدم والسعادة، في ظل استمراره بالحضور في كل الساحات السياسية والاجتماعية بهذا البلد».
(أ ف ب)

... وأخرى عربيّة

لم تتأخر ردود الفعل العربية بفوز محمد مرسي بالرئاسة المصرية. وبعث الرئيس العراقي جلال الطالباني برقية تهنئة، أعرب خلالها «عن الثقة الراسخة بأن جمهورية مصر العربية سوف تمضي قدماً في ترسيخ البنيان الديموقراطي وتعزيز الوحدة الوطنية».
من جهته، أعرب الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، عن حرص الجزائر على تعزيز علاقات الأخوة مع مصر وتوسيع كل مجالات التعاون لما فيه مصلحة الشعبين.
وفي فلسطين، أعرب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس عن احترامه والقيادة الفلسطينية لخيار الشعب المصري العظيم، فيما هاتف رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة، اسماعيل هنية، الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي وهنأه.
إلى ذلك، قتل مواطن فلسطيني وأصيب 7 آخرون على الأقل، بعدما أطلق مسلحون من أنصار حركة «حماس» النار بكثافة في جميع أنحاء قطاع غزة احتفالاً بفوز مرسي.
(الأخبار)