القاهرة ـ يبدو أن دخول الرئيس المصري الجديد، محمد مرسي، إلى قصر العروبة وتربعه على كرسي المخلوع حسني مبارك لن يخلوا من المعارك. رغم نجاح مرسي في حسم جولة الانتخابات وقهر مرشح المجلس العسكري أحمد شفيق، إلا أن الرئيس المنتخب لا يزال أمامه التحدي الأكبر.
فهل سيرضى أن يكون رئيساً بلا صلاحيات؟ هل سيؤدي اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا تنفيذاً لهذا الإعلان؟ أم سيكمل مرسي وجماعته مسيرة الاحتكام إلى شرعية ميدان التحرير التي بدأت قبل 7 أيام إلى جانب كثير من القوى الثورية لحين إسقاط الإعلان الدستوري المكمل؟ أما الخيار الأقرب إلى موقف الإخوان المسلمين من ميدان التحرير، فقد يكون في تسليم مرسي بالأمر الواقع وبالإعلان المكمل، ويحلف اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا بالتوازي مع انسحاب أعضاء الجماعة من الميدان، في مقابل صفقة بين مرسي والمجلس العسكري، الذي لم يبق أمامه سوى 5 أيام فقط لتسليم السلطة لأول رئيس منتخب مدني في تاريخ مصر.
وفيما لا يعرف المصريون ولا رئيسهم إلى الآن الجهة التي سيؤدي أمامها مرسي اليمين الدستورية ليتسلم مهام منصبه رسمياً، لا يعرف الرئيس الجديد أيضاً على ماذا سيقسم؟ هل سيقسم على احترام الدستور الذي لم يوضع أصلاً؟ أم سيقسم على احترام الإعلان الدستوري الأول والمكمل، وهو ما يفقده كل الصلاحيات ويلزمه الاستجابة لكل أوامر المجلس العسكري؟
أعضاء حملة «مرسي رئيساً» وقياديو جماعة الإخوان المسلمين اختلفوا في الأمر. بمجرد إعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فوز مرسي، أكدت حملته أنه يرغب في أن يؤدي اليمين الدستوري أمام مجلس الشعب، رغم صدور حكم قضائي بحله. تلك التصريحات أكدها القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، محمد البلتاجي، عندما قال: «مرسي لن يحلف اليمين إلا أمام البرلمان، وليس أمام المحكمة الدستورية العليا، لأن حكم الدستورية يخص الثلث الفردي فقط من النواب، والمجلس العسكري أخطأ حينما استحوذ على السلطة التشريعية». في المقابل، نقل الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، على لسان القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة، عصام العريان، قوله إن «رئيس الجمهورية المنتخب هو الذي سيحدد الجهة التي يحلف اليمين أمامها».
ورغم وجود توجه لدى الجماعة إلى أن مرسي لن يمتثل للإعلان الدستوري المكمل، ولن يؤدي اليمين إلا أمام البرلمان المنحل، عبّر محامي الجماعة صبحي صالح، عن رأي مغاير. وأوضح أن «رئيس الجمهورية سيحلف اليمين أمام الدستورية العليا، لكن هذا لا يعني اعترافه بحل مجلس الشعب وإنما من قبيل التعامل مع الواقع وليس الاعتراف بالإعلان الدستوري».
حديث محامي الجماعة يدعم الاتجاهات التي ترى أن الأخوان فصيل سياسي براغماتي، يعمل لحساب مصالحه بالدرجة الأولى. ففي الوقت الذي تحشد فيه الجماعة القوى الثورية للاعتصام في ميدان التحرير لرفض الإعلان الدستوري والنضال من أجل صلاحيات واسعة لمرسي، تلوّح الجماعة بأنها قد تتعامل مع الواقع الذي يفرضه الإعلان الدستوري المكمل، وهو ما فسره الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، الذي لفت إلى أنه «واقعياً لدينا حكم بعدم دستورية قوانين إجراء انتخاب أعضاء مجلس الشعب، وهذا يعني أن المجلس غير موجود». وأضاف: «جميعنا يريد إسقاط الإعلان الدستوري، لكني أتصور أن يحلف مرسي اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، ويتسلم مهام منصبه، ثم يناضل لإسقاط الإعلان المكمل».
أما القوى الثورية، فرأت أن قبول مرسي للإعلان الدستوري أمر غير مقبول على الإطلاق. ورأى المتحدث الرسمي باسم حركة «6 أبريل ــ الجبهة الديموقراطية»، طارق الخولي، أنه «إذا أقسم مرسي أمام المحكمة الدستورية، فهذا يعني أن معركتنا ستعود ثانية مع الإخوان المسلمين. ومعناه كذلك أنه موافق على الضبطية القضائية وحل البرلمان». وأضاف: «نحن الآن بين أمرين: الشرعية الثورية والشرعية الدستورية، والأخيرة انقلب عليها المجلس العسكري للسيطرة على البلاد واستمراره في عسكرة الدولة». وفي السياق، طالبت بعض القوى الثورية مرسي بأداء اليمين الدستورية في ميدان التحرير.
ورغم أن محمد مرسي نفسه لم يعلن موقفه من الإعلان الدستوري المكمل بعد إعلان فوزه بالرئاسة، إلا أن المحكمة الدستورية العليا حرصت أمس على لسان المتحدث الرسمي لها، المستشار ماهر سامي، على التأكيد أنها لم تتلقّ أي إخطار من رئاسة الجمهورية، بشأن تأدية رئيس الجمهورية المنتخب اليمين الدستورية.
إلى ذلك، بدأ مرسي نشاطه أمس بزيارة مقر رئاسة الجمهورية في مصر الجديدة، قصر العروبة. وفي أول ممارسة لمهام منصبه في مقر الرئاسة، استقبل رئيس مجلس الوزراء كمال الجنزوري، واستمع منه إلى آخر تطورات الأوضاع الأمنية والاقتصادية في مصر قبل أن يتقدم الأخير باستقالة الحكومة إلى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي. وأعقب طنطاوي قبوله الاستقالة بقرار قضى بتكليف الجنزوري تسيير أعمال الحكومة، إلى حين حلف مرسي اليمين الدستورية والانتهاء من مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة.
كذلك، التقى مرسي بالمشير إلى جانب أعضاء المجلس العسكري في مقر وزارة الدفاع أمس. وذكر موقع «بوابة الأهرام» أن اللقاء شهد تقديم مرسي الشكر اللعميق للمجلس على إدارته الحكيمة للفترة الانتقالية، في مقابل تأكيد المشير أن اختيار مرسي رئيساً هو الخطوة الأولى نحو الديموقراطية.