الخرطوم | «أشبعَوها ضرباً. لا تقوى على الحركة الآن». بهذه الكلمات وصفت إحدى الناشطات لـ«الأخبار» حال صديقتها التي استمر اعتقالها مدة 24 ساعة. وأوضحت الناشطة، التي طلب عدم كشف اسمها، أن صديقتها تعرضت مع أخريات للضرب المبرح في الرأس والرجلين من قبل عناصر الشرطة بواسطة خراطيم المياه والعصي. ولفتت إلى أن علامات التعب والإرهاق تبدو على صوتها، حيث وصفت حالتها بالمزرية على غرار غالبية الذين أُلقي القبض عليهم لمشاركهتم في التظاهرات المستمرة.
وشهدت مدينة القضارف، لليوم الثاني على التوالي، تظاهرات حاشدة أمس في سوق المدينة الرئيسي، حيث تحرك طلاب جامعة القضارف ومواطنو الأحياء الطرفية للمدينة، في اتجاه السوق الذي أغلق بالكامل، وتوقفت الحركة التجارية فيه. وأكد ناشطون لـ«الأخبار» أن هناك مناشير وُزِّعت تحثّ على مواصلة التظاهرات، فيما خرج طلاب جامعة السودان في منطقة الكدرو شمال الخرطوم، أمس، في تظاهرات ناحية الشارع الرئيسي للمنطقة. وشهد حي الديم مجدداً تظاهرات متفرقة، رغم تمركز قوات الشرطة بصورة مكثفة في أنحاء الحي القديم. ويرى مراقبون أن إحجام المواطنين عن الخروج العلني وتأييد التظاهرات بأعداد كبيرة حتى اللحظة، مرده إلى حالة الخوف من الفوضى، التي ستعقب إسقاط النظام الحالي.
بدورهم، يرى ناشطون أن الاحتجاجات السوادنية آخذة في التراجع نتيجة لغياب الفاعلية والمشاركة من قبل كل مكونات المجتمع. كذلك مارست السلطات قمعاً شديداً ضد المتظاهرين، حيث نشرت الشرطة السودانية قواتها في مدن الخرطوم الثلاث تحسباً لاندلاع الاحتجاجات، فضلاً عن إصدار أحكام سجن على المتظاهرين وفرض غرامات مالية عليهم، أو عقوبات بالجلد.
ولا يخفي المسؤولون في الشرطة أنهم تلقوا توجيهات مشددة بالتعامل الفوري مع مثيري الشغب، فيما روى أحد المفرج عنهم من قبل أجهزة الأمن لـ«الأخبار» كيف أن أحد أفراد الأمن انفرد به في حديث جانبي بعد أن تقرر إطلاق سراحه. وقال له: «أنتم تريدون إسقاط الحكومة، لكن إن سقطت فإن الحركات الدارفورية ستحتل الخرطوم خلال ثوانٍ». ويبدو أن النظام الحاكم يريد استخدام فزّاعة الحركات المسلحة لثني المتظاهرين عن الخروج إلى التظاهر. لكن المعارضة في الداخل لا ترى غير استمرار حركة الاحتجاجات بديلاً لإسقاط النظام. فقد توافقت قوى تحالف الإجماع الوطني المعارض على توقيع ميثاق سياسي لإسقاط النظام، والإعداد لما ما بعد نظام الإنقاذ. واشتمل الميثاق الذي وقعته القوى المعارضة في دار الحزب الوطني الاتحادي أمس، على البديل الديموقراطي للنظام القائم، والإعلان الدستوري.
وأوضح السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني، محمد مختار الخطيب لـ«الأخبار»، أن مسألة الإعداد لما بعد إزالة النظام من الأهمية بمكان، وذلك حتى لا يجد الشعب السوداني نفسه أمام مشكلة «ثم ماذا بعد الإنقاذ وما هو البديل؟». وأضاف الخطيب أن النقطة الثانية في الميثاق هي الإعلان الدستوري الذي يجمع قوى المعارضة؛ إذ لا بد من التوافق منذ الآن على إعلان دستوري حتى نكون جاهزين لدخول المرحلة التالية.
في غضون ذلك، دعا ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي إلى عصيان مدني يبدأ الجمعة المقبلة، ويستمر الى أجل غير محدد. إلا أن الأحزاب المعارضة ترى في الخطوة استباقاً للأحداث. وأكد الخطيب أن اجتماع قوى المعارضة لم يبحث مسألة العصيان المدني، وأن ما يتردد في هذا الشأن هو حديث الشارع العام، لافتاً إلى أن حدوث العصيان المدني ليس مستبعداً. وأوضح أنه يأتي نتيجةً لتراكمات سياسة النظام الخاطئة التي أوصلت الناس إلى هذه المرحلة. وبعدما أكد أن العصيان سلاحٌ مجرّب أثبت نجاعته عندما جرّبه الشعب في مرات سابقة، لفت إلى أنه يمكن أن يحدث في المدى البعيد.