الجزائر | أعاد وصول الاشتراكي فرانسوا هولاند إلى الحكم الحديث عن العلاقات بين الجزائر وفرنسا، وسط توقعات بإمكان إيجاد حل توفيقي ينجح في طيّ صفحة الحرب.وتستعجل الجزائر توفير أسباب تنقية الأجواء بين الجانبين، مع المعطى الجديد الذي وفره تغيير القيادة في فرنسا لمعسكر اليسار. ورأى وزير المجاهدين (قدماء مكافحي حرب التحرير)، محمد الشريف عباس، أول من أمس، أن «وعود الرئيس فرانسوا هولاند في الحملة الانتخابية كانت مشجعة، وأعطت الانطباع بتقديم وجه أحسن للعلاقات الثنائية، بما يخدم مصلحة الشعبين». وأكد عباس أن «الجزائر تنتظر تجسيد هذه الوعود في الواقع». وجاء تصريح وزير المجاهدين متزامناً مع آخر أدلى به السفير الفرنسي الجديد، أندري باران، بعد تقديم أوراق اعتماده للرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة. وشدد باران على «أن العلاقات بين فرنسا والجزائر لا يمكن مقارنتها بأي علاقات أخرى»، مؤكداً أن «الوقت قد حان لإعطائها دفعاً جديداً وطموحاً جديداً وبعداً كبيراً، وكذا الدفء الذي تتطلبه». وسبق أن جدد مسؤولون جزائريون، أكثر من مرة، في الشهور الأخيرة المطالبة بـ«الاعتذار عن الجرائم» التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الفرنسي في الجزائر، بما في ذلك جريمة التفجيرات النووية في الصحراء بين 1960 و1966. وزادت وتيرة المطالبة بعد الانتخابات الرئاسية، التي أوصلت هولاند إلى سدة الحكم. الرئيس الجديد، لم يرفض بصورة قطعية الاعتذار، مثلما فعل سلفه نيكولا ساركوزي، حين قال «لا يمكن مطالبة الأبناء والأحفاد بالاعتذار عما ارتكبه الآباء والأجداد». لكن هولاند لم يبد استعداداً واضحاً لتلبية طلب الجزائريين. ووفقاً لمتابعين لملف العلاقة بين الجزائر وفرنسا، فإن تمنع هولاند يعود إلى حرصه على كبرياء فرنسا، دون أن يلغي ذلك اعترافه بأخطاء ارتكبت في الحقبة الاستعمارية، منها ما يستحق الإدانة. ويبدو أنه يبحث عن موقف ثالث توفيقي. ويظهر هذا السعي في حوار أجرته معه صحيفة «الوطن» الجزائرية في آذار الماضي، اعتبر فيه أنه «بين اعتذار لم يقدم أبداً ونسيان هو بالضرورة مُدان، توجد فسحة لنظرة ثاقبة ومسؤولة على ماضينا الاستعماري وبعد إيجابي للمستقبل». لكن هذه الفسحة حتى الآن لم تتضح معالمها، باستثناء تصريحات فضفاضة، كتلك التي أدلى بها السفير الجديد.
الجدير ذكره أن موضوع ما يسمى «حرب الذاكرة»، لا يجد إجماعاً في فرنسا ولا في الجزائر. ولا يجد فرنسيون، وتحديداً من فئة المثقفين والعلماء وتيار اليسار السياسي، حرجاً من تقديم اعتذار للجزائريين، على اعتبار أن فترة الاحتلال أنهكتهم خلال 132 عاماً، وسقط خلالها ملايين القتلى. كما ينطلق هؤلاء من موقفهم أخذاً بعين الاعتبار أن البلاد شهدت حملات تشريد وتفقير موثقة.
في الطرف المقابل، يوجد في الجزائر من لا يرى أهمية لطلب الاعتذار، لأن البلدين خاضا حرباً دامية، انتهت بانتصار ميداني لثوار الجزائر، وبمفاوضات رسمت أسس العلاقة المستقبلية بين فرنسا والجزائر. كذلك، وفيما أعرب مسؤولون جزائريون، عن معارضتهم لهذه المساعي، تحولت المسألة بالنسبة إلى الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مجال تهكم. ويرى كثيرون منهم أن من يطلبون الاعتذار من فرنسا، هم من يحتاجون إليها ويريدون تبرير التصاقهم بها، بكلمة اعتذار لا تسمن ولا تغني من جوع. ووفقاً لهؤلاء، فقط الذي يتعالج في مستشفيات فرنسا ويتبضع في أسواقها ويدرّس أبناءه في مدارسها ويكدس أمواله في مصارفها، هو من يريد الاعتذار، وبعدها يمكن أن تُشطب فرنسا تماماً من قائمة الدول الاستعمارية، وتغير برامج تدريس التاريخ وتحرق الكتب التي تتحدث عن فرنسا الاستعمارية.
بالرغم من تعدد وجهات النظر، فإن وصول الاشتراكيين إلى الحكم مجدداً سيفتح مجالاً لإحداث فجوة في تصلب الطرفين. وقد يكون الحل هو إيجاد هذه الفسحة التي تحدث عنها هولاند.