أبو ظبي | لم تُحدث شخصية في الخليج العربي الضجة الإعلامية التي يُثيرها قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، بسبب مواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل، التي تُخالف المواقف العامة المعروفة في هذا المحيط المعتاد الغموض والخوف من كسر المألوف. وآخر مواقف خلفان كانت انتقاده لإخوان مصر والرئيس المنتخب محمد مرسي عبر قوله، على «تويتر»، «إن دول الخليج لن تستقبل الرئيس المصري محمد مرسي ولن تفرش له السجاد الأحمر»، معتبراً أن انتخابه «خطأ كبير»، وهو ما دفع وزارة الخارجية المصرية الى استدعاء السفير الإماراتي للاحتجاج لديه على هذه التصريحات، التي «لا تتفق مع المواقف الصادرة عن أرفع مستويات الدولة الإماراتية، التي رحبت بنتائج أول انتخابات رئاسية ديموقراطية في مصر في أعقاب ثورة 25 يناير المجيدة».
هجوم خلفان على الإخوان لم يكن الأول، فالرجل سبق أن أعلن موقفه الواضح المؤيد للرئيس المخلوع حسني مبارك، وشن حملة ضد إخوان مصر، متّهماً إياهم بالسعي إلى الاستيلاء على السلطة.
ما يزيد من أهمية مواقف خلفان لا ينبع فقط من اعتبارها خارجة عن المألوف في الخليج، وانما من كونه من خارج أفراد العائلات الحاكمة في الإمارات، وكثيراً ما أصابت سهام كلامه حكّام الدولة وسياستها الخارجية، وهو ما استفز العديد من الشخصيات الدينية، وخصوصاً في شبه الجزيرة العربية، ولا سيما بعد حديثه عن مخطط إسلامي للسيطرة على الخليج بدءاً من الكويت، وهو ما أطلق حرباً إعلامية وصلت إلى حد اتهامه بالتعامل مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلية «الموساد» والنظام الإيراني وبقايا النظام المصري السابق، آخرها كان من الداعية السعودي عائض القرني، الذي اعتبر أن إيران تستغل خلفان كأداة انتقام من الإخوان المسلمين السوريين، الذين رفضوا عروضاً إيرانية للوساطة مع النظام.
على أن البحث في ماضي خلفان يكشف خفايا كثيرة عن حقيقة الرجل، الذي نجح بتأسيس أحد أقوى الأجهزة الأمنية في العالم على مدى سنوات عديدة منذ الثمانينيات. ونجح في كسر الصورة النمطية لجهاز الشرطة في العالم العربي؛ فللمرّة الأولى دخلت التنمية الفردية والاجتماعية وأساليب التعامل مع الشخصيات إلى الفريق الأمني في بلد عربي، ومعه معدّات تحليل الحمض النووي. أساليب مكّنته من كشف الجرائم بسرعة فائقة، محافظاً بذلك على صورة دبي كمدينة منفتحة آمنة وكواجهة سياحية للإمارات.
وكان أول ما لمع نجم خلفان مع وقوع جريمة قتل النجمة اللبنانية سوزان تميم، بمؤامرة مدبرة من رجل الأعمال المصري هشام طلعت مصطفى، التي كشف خيوطها، قبل أن يشع نجمه بشكل جلي مع عملية اغتيال القيادي في حركة «حماس»، محمود المبحوح، في أحد فنادق الإمارة، وهو ما أصاب سمعة دبي بالاهتزاز، ولا سيما أن العملية تزامنت مع الأزمة المالية التي ضربت الإمارة الخليجية، لكن خلفان نجح من جديد بكشف خيوط الجريمة بسرعة فائقة، وأعطى المدينة المعولمة صيتاً أمنياً لا مثيل له.
ومع بروز اسمه وذيعان صيته كقائد أمني، أطلق خلفان سلسلة تصريحات، بدأت بالهجوم على إسرائيل المتورطة في عملية اغتيال المبحوح لتمتد إلى إيران، ذات العلاقة الباردة سياسياً مع الإمارات، متحدثاً عن ضرورة تعزيز العلاقات معها، وصولاً إلى انتقاد صريح للإخوان المسلمين ودورهم في ثورات الربيع العربي ودفاعه غير المباشر عن الرئيس المصري السابق مبارك. وهو ما جلب له انتقادات شديدة سواء من مصر أو من المقرّبين من الإسلاميين في الخليج، الذين اعتبروا أن خلفان من بين الشخصيات الإماراتية، التي ضغطت لعرقلة محاكمة مبارك.
ولم تتوقف تصريحاته عند حدود بلاد النيل، بل وصلت لاحقاً إلى الشام، مع تحذيره من سقوط سوريا بيد الإخوان المسلمين، وانتقلت الى دور الجماعة الإسلامية في زعزعة الاستقرار في السعودية، إضافة الى هجومه على شخصيات دينية تدعم الثورات العربية، وتنتقد سلوكه في ترحيل النشطاء العرب إثر تحركاتهم في الإمارات.
على أنّ كل هذه التصريحات ترافقت مع نقد لسياسة حكام الإمارات الداخلية، وهستيريا البذخ التي يتنافس بها تحديداً آل نهيان وآل مكتوم في أبو ظبي ودبي، وغض النظر عن استقدام العمالة الأجنبية، ما أخل بشدّة بالتركيبة السكانية. مواقف أثارت جدلاً كبيراً على اعتبار أنه لم يسبق لأي شخص من خارج العائلات الحاكمة في الخليج أن أدلى بتصريحات مماثلة من جهة، ولأن جميع موظفي الدول الخليجية سواء أكانوا من قلب العائلات أم من خارجها يتبعون مبدأ: الملك هو الملك، وبالتالي لا يمكن الخروج عما يقرره في سياسة البلاد الداخلية أو الخارجية، من جهة ثانية.
اللافت أنه رغم كل تصريحاته النارية، فقد حافظ خلفان على علاقة إيجابية مع حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، الذي فضل غض الطرف عن كل ما قاله رفيق دربه أيام دراسة العلوم العسكرية في الخارج، وهو ما اعتبره مراقبون للمشهد الإماراتي خطوة من الضروري القيام بها للحفاظ على حبل الود مع الشخصية الأمنية الأبرز في الدولة.
إضافة الى كلّ ما تقدّم، هناك عامل مهم يعزز من قوة مواقف خلفان؛ ففي الخليج «الصامت» ثمة من يتفق معه لجهة موقفه من الإخوان المسلمين، ومن سياسة البذخ في الدولة، وهو ما تجسد بتصريحات حاكم الشارقة، سلطان القاسمي، عن الجماعة الدينية، إضافة الى انتقاد حاكم ثالث المدن الإماراتية للوضع المالي في البلاد؛ فبينما تغرق أبو ظبي ودبي في الأزمة المالية من جهة، وفي سياسة الإنفاق الهائل على الأبراج السكنية والاستمارات العقارية من جهة ثانية، تعيش الشارقة حالة من التقشف والإهمال، وهو ما ينسحب بدوره على الإمارات الأربع الباقية (عجمان والفجيرة ورأس الخيمة وأم القيوين) التي تعيش في دنيا من التهميش والتراجع الاقتصادي، اضافة الى التخلف السياسي عبر احتكامها إلى العرف القبلي.



دور مستقبلي؟

بسبب موقع ونفوذ القائد العام لشرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، طُرحت أسئلة كثيرة عن دور محتمل له في الفترة المقبلة إذا ما أُخذ بعين الاعتبار أنه يتمتع بولاء مطلق من فريقه الأمني المتحكم في كل تفاصيل دبي، وهو ما يجعل منه قوة بارزة قادرة على قلب المعادلة في هذه الإمارة على الأقل، وخصوصاً انه نجح إلى حد ما في كسر العقلية العشائرية وتحديد الانتماء إلى الدولة لا إلى القبيلة.
مع ذلك، هناك صعوبات جمة تعترض هذه المهمة؛ فالمجتمع الإماراتي، ورغم أنّه دخل عالم الحضارة والمدنية، لكنّه لا يزال يضع قدماً في البداوة، وهو مستعد للعودة إلى العصبية القبلية أو الوقوف إلى جانب حاكم البلاد سواء كان في أبو ظبي أو محيط دبي أو باقي الإمارات، حيث وطد الحكام من سلطة رجال القبائل في سبيل الحفاظ على حكمهم. اضافة الى ذلك، فإنه رغم التناقض الشديد في سياسة قطبي الحكم في الدولة: رئيس الدولة خليفة بن زايد آل نهيان وحاكم دبي محمد بن راشد، فإن السلطة النهائية تعود إلى خليفة المتمتع بسلطة عسكرية ودعم الجيش الإماراتي، مما يضعف أي احتمال لدور قد يؤديه ضاحي خلفان في المشهد الخليجي.