تونس | أكد وزير الدولة المكلف بالإصلاح الإداري والحقوقي، محمد عبو، أن أستقالته لا علاقة لها بالخلاف بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة على خلفية تسليم رئيس وزراء ليبيا في عهد القذافي البغدادي المحمودي. وأضاف إنه يتمنى أن لا تؤثر هذه الاستقالة على مستقبل «الترويكا» الحاكمة، كاشفاً أن الاستقالة قدمت يوم 22 أيار، وكل ما في الأمر أنه قام بتفعيلها.كلام عبو ناقضته المعطيات التي كشفت أن استقالته جاءت بعد إعلانه مساندة قرار رئيس الحكومة بتسليم البغدادي، قبل أن يتراجع ويصدر بياناً باسم الحزب يدين فيه بلغة حادة تجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية. وأضافت المعطيات إن ما قاله عبو عن عدم تمكينه من صلاحيات حقيقية ليس جديداً، إذ كان يدرك من البداية أنه لا يملك الصلاحيات التي كان يتمناها لتحقيق ما وعد به حزب المؤتمر في حملته الانتخابية من «تطهير» شامل للإدارة، كما طالب بحياد الإدارة واستقلاليتها بعيداً عن الولاء الحزبي، وهو ما رفضته النهضة من البداية التي سعت الى تعيين منخرطيها وأنصارها في مفاصل الإدارة وهياكل الدولة الأساسية.
وتعددت القراءات لاستقالة عبو، ومنها ما كانت المواقع الاجتماعية قد تداولته قبل أيام عن نية حركة النهضة التخلي عن المرزوقي وتعويضه بمحمد عبو، ورغم أن هذه المواقع ليست مصادر للمعلومة، فإنها قد تكشف في أحيان كثيرة عما يطبخ في الكواليس. فحركة النهضة أدركت أن المرزوقي أصبح عبئاً ثقيلاً عليها لأنه انبرى في حملة انتخابية مبكرة، مستفيداً من انعدام صلاحياته «للمزايدة» على الحكومة، إضافة إلى أنها انزعجت من استغلاله حادثة تسليم المحمودي لاستعادة صورة الحقوقي المنتصر لحقوق الإنسان والرافض للصفقات السياسية على حساب المبادئ.
كما أدركت النهضة أن المرزوقي رضي بمنصب بلا صلاحيات مرحلياً فقط، وأن عينه على رئيس منتخب من الشعب بكامل الصلاحيات، وبالتالي أرادت النهضة أن تتخلص من حليفها وتعويضه برجل آخر من الحزب نفسه. وقد بدا واضحاً أن القطيعة بين الجبالي والمرزوقي وصلت إلى نقطة اللاعودة، إذ لم يذكره الجبالي في خطابه في المجلس التأسيسي ولو بشكل عابر.
ومع إمكانية هذا السيناريو، فإن هناك قراءة أخرى لاستقالة عبو، وهي قد تكون بداية القطيعة والطلاق بين حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحركة النهضة، بعدما أدرك من بقي في حزب المؤتمر بعد انشقاق عبد الرؤوف العيادي وعدد آخر من القياديين وتأسيسهم لحركة «وفاء»، أن السير في ركاب النهضة سيقود حزبهم إلى الهاوية في الانتخابات المقبلة، وبالتالي لا بد من التمايز والقطيعة ربما.
فأحلام عبو في تطهير الإدارة اصطدمت بحسابات النهضة كحزب قوي يريد الهيمنة على كل شيء، ما أقنعه بأن الأفضل له ولحزبه ولزعيمه منصف المرزوقي أن يتنازل عن وزارة شكلية ويتفرغ لبناء الحزب وإعادة هيكلته والتفرغ للمجلس التأسيسي واستعادة شعبية الحزب التي تأثرت بسبب التحالف مع النهضة. فهل ستكون استقالة عبو بداية القطيعة الفعلية، أم أن النهضة دفعته لها ليكون في منصب أهم؟