ماكينة الدولة امتصّت الرجل الغريب عنها. واستقبلت طبقة الحكم العسكرية البيروقراطية رئيساً من خارجها بعد ٦٠ عاماً من إحلالها محل أرستقراطية الدم الأزرق.كيف يقبل الأباطرة فرداً عادياً بينهم؟ وليس هذا فقط، بل رئيساً عليهم؟ ألم يكن الأسهل قبول شفيق وقد كان زميلهم؟ الخيال الشعبي رأى مشهد تسليم السلطة بهذه الطريقة التي تنقل مسرح الأحداث إلى مستوى مصارعة الآلهة ومسارح الكهنة عندما يتسلل إليها الجمهوري العادي. التسليم حدث إذاً بينما أصوات حركة مفاصل الماكينة العتيقة هادرة، بما لا يؤثر، لكنه يمنح خلفية الرعب على حفل التسلم. هل هذا العنف والشراسة في تبادل الشتائم بين أبناء الدولة العميقة وتوابعها، هو تعميد للرجل الغريب؟ أم هي حركة ألواح كالتي تحدث في باطن الأرض عند قيام الزلزال سيعاد بعدها رسم جغرافيا الدولة العميقة والظاهرة معاً؟
ترتبط هذه الحركة الصادمة بتحركات أخرى من أحزاب سياسية، لا وزن حقيقياً لها في الحراك السياسي، لكنها، من خلال الرخصة، تريد تشكيل ملحق سياسي للمجلس، يدير العداء المكبوت مع الرئيس الغريب ومن يحمل معه أو ما يمثله من رمزية أكبر منه هو شخصياً. أحزاب المجلس تؤدي دوراً مشابهاً لأحزاب القصر قبل يوليو ١٩٥٢، دور قريب مثيراً غرائز القتال عند المتنافسين. وبهذه الوظائف سيحول الصراع بين الدولة العميقة والغرباء عنها إلى سباق ومزايدة: من المتآمر؟ من يتفاهم مع الأميركان؟ من أكثر ديموقراطية؟ من أكثر انحيازاً إلى دولة القانون؟ من يحقق المصلحة الوطنية؟ أسئلة سنجدها مع كل خلاف. وهذا يعني أننا دخلنا بالفعل دراما سياسية من هذا النوع الغامض والمحبوك، والذي تختبر فيه الدولة كل خبراتها ومهارتها. لكنها في اللحظة نفسها تعبّر عن نهايتها أو بمعنى أدق غروب عصر كامل من طرق إدارة الدولة.
في هذا الغروب لا مجال للغرق في التفاصيل إلا بمنطق الفرجة والتسلية. والتعامل مع هذه الدراما بمنطق الفرجة بينما تتضح إرادة بناء علاقة جديدة بين السلطة والمجتمع. علاقة تبلورها أفكار الثورة وروحها حيث المجتمع شريك وليس متفرجاً على استعراضات السلطة. المجتمع يحجز موقعه الجديد الذي يقول فيه للرئيس لست وحدك في القصر.