القاهرة | في أول يوم له رئيساً، أقرّ محمد مرسي زيادات في العلاوة الاجتماعية للعاملين في الدولة وأصحاب المعاشات بنسبة 15 في المئة، إضافة الى زيادة معاش الضمان الاجتماعي، الذي تستفيد منه الفئات الأكثر فقراً في المجتمع المصري من 33 إلى 50 دولاراً، وذلك اعتباراً من يوم أمس؛ ورغم أهمية الخطوة، فهي لن تكون كافية للمصريين الذين يعانون الأمرّين بسبب الأحوال الاجتماعية والاقتصادية السيئة، لذا، ليس أمام الرئيس الجديد الكثير من التحديات الاقتصادية والسياسية. لقد نجح مرسي في كسب أول جولة له مع المجلس العسكري، وخرج من مأزق الإعلان الدستوري المكمل، وما يفرضه عليه من أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا بدلاً من مجلس الشعب المنحلّ، بأداء اليمين أمام معتصمي ميدان التحرير أولاً ليؤكّد أن شرعيته الأولى يستمدها من إرادة الشعب ورضاه عنه، قبل أن يؤدي يمينه ثانية أمام الدستورية، وثالثة أمام المثقفين والشخصيات العامة، تحت قبة جامعة القاهرة. كما استطاع أن ينتزع تحية عسكرية من جنرالات النظام السابق من أعضاء المجلس العسكري.
رغم ذلك، فإنّ المصريين لا يزالون منقسمين حول صلاحيات الرئيس الإخواني الذي تسلّم السلطة من العسكري لتوّه أمس، ولا يزال الكثيرون يرونه مكبلاً بقيود وقواعد الإعلان الدستوري المكمل، الى جانب قيود وقواعد جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمى إليها مرسي فكراً وعقيدة، والتي من شأنها أن تجعله قائماً على خدمة شؤون الجماعة وأعضائها، قبل أن يكون قائماً على خدمة الشعب المصري بجميع أطيافه وطبقاته.
المواطن المصري البسيط لم يشغل باله كثيراً بحديث السياسة. ربما أعجبه أداء مرسي مع المعتصمين في ميدان التحرير، وحديثه عن شرعية الشعب وخلافه. لكن معياره الأساسي للحكم على مدى نجاح أو فشل مرسي في إدارة شؤون مصر يظل بعيداً عن السياسة ولصيقاً بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية له. ينتظر المصريون من مرسي وضع حد أدنى عادل لأجور العاملين في الدولة، كما ينتظرون منه توفير رغيف الخبز وأنبوبة الغاز ورفع أطنان القمامة من الشوارع والميادين، الى جانب المطلب الأكثر إلحاحاً وهو توفير الأمن للمواطنين. لم يثن أو يذمّ المصريون رئيسهم الجديد، قبل توضيح موقفه من تلك الحقوق اللصيقة بهم.
الرئيس المصري الجديد، من جانبه، سبق أن ألزم نفسه بوعود للأيام المئة الأولى في حكمه تركزت على 5 عناوين عريضة لمشاكل تؤرق المصريين هي: «المرور، الأمن، النظافة، الوقود ورغيف الخبز». وتعهد بالقضاء عليها في أقل من ثلاثة أشهر، رغم أنه خاض الانتخابات ببرنامج انتخابي يقوم على «مشروع النهضة». وقال إن «على المصريين ألا ينتظروا ثماره قبل 16 عاماً». وكأن الجماعة الإسلامية عندما وضعت هذا المشروع تيقّنت أنها لن تترك الرئاسة قبل 16 عاماً. مع ذلك، ألزم محمد مرسي نفسه بمطالب فورية ينفذها خلال ثلاثة أشهر، وبمطالب عاجلة ينفذها خلال مدة حكمه الأولى الـ«4 سنوات».
كيف ينظر خبراء الاقتصاد الى تعهدات مرسي؟ هؤلاء يؤكّدون صعوبة تحقق وعود مرسي الخاصة بالأمن وتوفير الوقود والخبز والنظافة. ويقولون إن حل كل تلك المشاكل يرتبط بمدى توافر التمويل. ويرى الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم «من الصعب تحقيق الوعود الاقتصادية التي طرحها مرسي خلال المئة يوم الأولى، لأن هذه الوعود بحاجة إلى التمويل وبرامج زمنية محددة»، موضحاً أن «إسقاط الديون عن الفلاحين وعن الأسر المتعثرة وزيادة ميزانية الصحة وزرع ملايين الأفدنة الصحراوية» تتطلب مبالغ هائلة. ويتساءل من سوف يتحمل هذه المبالغ «لأن الأمر سيسبب ضغطاً كبيراً على الموازنة العامة».
في مقابل رؤية عبد العظيم الاقتصادية، هناك من الخبراء من أظهر ميلاً الى التفاؤل في تحقيق وعود مرسي لجهة الأمن. وأكد خبراء أمنيون قابلية تحقيق وعود مرسي في ما يتعلق بعودة الأمن وتيسير الحالة المرورية خلال المئة يوم الأولى له في الحكم للتنفيذ، مدللين على أن عودة الانضباط الأمني مرهونة بأمرين: الأول تطهير المؤسسة الأمنية من فلول النظام السابق، والثاني يتمثل في رفع الروح المعنوية للعاملين في الشرطة.
الشباب المصري، الذي كان وقود الثورة، اختار سبله ومعاييره لتقويم مرسي والحكم عليه. فأنشأ موقعاً إلكترونياً أطلق عليه «مرسي ميتر» لقياس أداء الرئيس خلال المئة يوم الأولى من توليه الرئاسة، ومتابعة تنفيذه لوعوده في برنامجه الانتخابي على نحو عملي. وبدأت الصفحة نشاطها بنشر برنامج محمد مرسي، خلال المئة يوم الأولى، وما وعد بتحقيقه. ووضعت اقتراحات لتنفيذ تلك الوعود. وقال مؤسسو الموقع لـ«الأخبار» إن هدفهم من تأسيس الصفحة هو توثيق قرارات الرئيس المنتخب ومقارنتها مع ما سبق وتعهد به كخطوة عملية للحكم على أداء الرئيس حسب «مرسي ميتر».
إضافة الى ذلك، فإن انفصال مرسي عن جماعة الإخوان المسلمين وعن الحزب الناطق بلسانها «الحرية والعدالة» ظاهرياً، لم يمنع قيادات الحزب من اتخاذ إجراءات فعلية لتنفيذ وعود مرسي. فلا تزال الجماعة تتحدث عن مرسي بوصفه عضواً من أعضائها. بحسب الأمين العام لشباب حزب «الحرية والعدالة» في الجيزة، علي خفاجي، عقد «الحزب عدة اجتماعات خلال الأيام الماضية مع عدد من القوى السياسية والائتلافات الشبابية والثورية، لوضع اقتراحات بما يخص 5 ملفات، وعد رئيس الجمهورية بالانتهاء منها خلال الـ 100 يوم الأولى من توليه منصبه، وهي: الأمن والنظام والمرور والغاز ورغيف العيش».
على المستوى السياسي، لم يسفر اليوم الأول لمرسي رئيساً عن أي نتائج ملموسة في ما يتعلق بالحكومة الجديدة، التي سيعمل معها في الأيام المقبلة. وأكدت مصادر إخوانية أن الجماعة ستحصل على نسبة 30 في المئة من هذه الحكومة، فيما سيحصل التكنوقراط والقوى الثورية على نسبة الـ 70 في المئة الباقية. ورغم تردد أنباء عن نية مرسي عرض رئاسة الحكومة على مدير وكالة الطاقة الذرية السابق محمد البرادعي، وخصوصاً أن الأخير يحظى بقبول واسع بين مختلف التيارات السياسية والثورية، إلا أن مرسي لم يؤكد ولم ينف هذه الأنباء، في الوقت الذي أعلن فيه البرادعي صراحة أن لديه شروطاً لقبول تشكيل حكومة تضمن تمكينه من كل الصلاحيات.