القاهرة | لكل فرعون هامان وقارون. أو هكذا على الأقل يرى المصريون رؤساءهم، اذ اعتاد المصريون على الرئيس الذي تجعل منه بطانته فرعوناً، ليمنحهم سلطة هامان ومال قارون، فيبدأ الرئيس عهده بالتأكيد أنه خادم الشعب، ثم لا يجد الشعب من رئيسه إلا أنه مسخّر فقط لينفّذ ما يمليه عليه سيّده. ولعل تجربة المصريين مع رؤسائهم الثلاثة جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، كفيلة بالتأكيد على ضرورة توافر صفات النفاق في المحيطين بالرئيس لإقناعه بأنه منزه عن الأخطاء وربما الهفوات كذلك، وتذكيره دائماً بأن حكمته وصوابه جنبتا البلاد عظائم كثيرة.
الرئيس الجديد، محمد مرسي، لا يبدو أنه سيشذ عن هذه القاعدة. الأخير بدأ رئاسته مطبقاً المبدأ الإسلامي «الأقربون أولى بالمعروف». فلم يبحث عن أفضل الكفاءات في كل تخصص لتشكيل بطانته، وإنما اعتمد على رجال حملته الانتخابية من قيادات الجماعة ليساندوه ويدعموا قراراته في القصر الجمهوري.
ياسر علي، أحمد عبد العاطي، عصام الحداد، يحيي حامد، محمد حافظ، محمد عبد العال، أسعد الشيخة، خالد القزاز. 8 شخصيات لا يعرفها كثير من المصريين في الوقت الراهن، لكن من المؤكد أن المواطن المصري سيعرفها جيداً خلال الأيام المقبلة، ولا سيما أن تلك الشخصيات، اختارها مرسي لترافقه داخل القصر الجمهوري، وتطلع على جميع دقائق أمور المصريين.
وتجنب الرئيس الجديد البحث عن الكفاءة والتكنوقراط، لصالح قيادات الجماعة الذين يشاركونه التوجه والهدف الأسمى المتمثل بإعلاء شأن الإخوان المسلمين. وقرر مرسي الاعتماد على أعضاء حملته الانتخابية من قيادات الجماعة، في مكتبه الرئاسي. فحسب المتحدث الإعلامي للرئاسة والقيادى الإخواني ياسر علي، «الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي قد قرر الاحتفاظ بمعظم طاقم حملته الانتخابية للعمل بجواره في المكتب الرئاسي». ووفقاً لرؤية مرسي لمعاونيه، ليس بالضرورة أن يكون مرافقه أو القائم بمعاونته في اتخاذ القرار أو تنسيق المهام، خبيراً في علوم السياسة أو الاقتصاد أوحتى الاجتماع، فيكفي أن يكون طبيباً أو حتى صيدلانياً وربما مهندساً، وهو ما جعل مرسي يعتمد على الأطباء ياسر علي ومحمد حافظ وعصام الحداد والصيدلاني أحمد عبد العاطي.
وحسب التسريبات التي لم ينفها مرسي، وأكدها متحدثه الإعلامي، ينوى مرسي تعيين أحمد عبد العاطي، أحد مشاهير صناعة الدواء في مصر منسقاً عاماً لشؤون رئاسة الجمهورية إلى جانب أسعد الشيخة أحد قياديي الجماعة. ويجمع عبد العاطي والشيخة قاسم مشترك يتمثل في إحالتهما إلى القضاء العسكري والحكم عليهما بالسجن 5 سنوات عام 2007 بتهمة الانتماء الى جماعة محظورة في القضية المعروفة إعلامياً بقضية «ميليشيات الأزهر». أما مهمة تأمين الرئيس وتنظيم جدول أعماله وتحديد ضيوفه فتم إسنادها إلى كل من محمد عبد العال ويحيى حامد إلى جانب الدكتور محمد حافظ، الذي يعرفه نشطاء «الفايسبوك» بأنه «الراجل اللي واقف ورا مرسي»، لوقوفه خلف مرسي أثناء خطابه في ميدان التحرير. ومنذ أن قررت الجماعة الدفع بمرسي بديلاً عن خيرت الشاطر في الترشح للرئاسة، ظهر حافظ بصفته المرافق الخاص لمرسي، وسيتولى مرافقته في جميع جولاته والجلوس في المقاعد الخلفية للسيارة المخصصة له. أما سكرتير الرئيس الشخصي، عصام الحداد، فيعمل دكتور تحاليل. كل خبراته في العمل السياسي تنبع من عضويته في اتحاد طلاب كلية الطب قبل ما لا يقل عن 20 عاماً. أما منسق «حملة مرسي رئيساً»، خالد القزاز، فأوكل له مرسي ملف العلاقات الخارجية في مكتب الرئاسة، رغم أن القزاز لم يسبق له العمل بوزارة الخارجية ولم يمثل مصر دبلوماسياً في أي دولة.
هذه الاختيارات لا تعد بالنسبة إلى القيادي اليساري، عبد الغفار شكر، مقلقة بل طبيعية جداً. ووفقاً لشكر «من حق الرئيس أن يختار أشخاصاً يثق فيهم للعمل بجانبه داخل القصر الرئاسي، بشرط ألا يحوّل القصر الرئاسي إلى مؤسسة إخوانية تعمل على حماية مصالح الجماعة». وأشار إلى أن مؤسسة الرئاسة في مصر تعمل وفق تقاليد وأعراف مستقر عليها منذ الثلاثينيات تضم عدة فئات «ياوران (الذين يستقبلون الزوار)، شؤون إدارية، سكرتارية،...»، وتلك الفئات تعمل بنحو منفصل عن رئيس الجمهورية الذي لا يتدخل عادة إلا لاختيار سكرتاريته الخاصة، والأشخاص الأقرب إليه. وهو ما أيده مدير المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، عادل سليمان، متسائلاً في حديث مع «الأخبار» «هل يمكن أن نلوم الرئيس الأميركي باراك أوباما على اختيار جميع أعضاء مكتبه في البيت الأبيض من الحزب الديموقراطي». ورفض سليمان أن إطلاق مصطلح البطانة على أعضاء المكتب الرئاسي، مشيراً إلى أن هناك «فارقاً كبيراً بين الوظائف الرسمية السياسية مثل نواب الرئيس ومستشاريه، وبين أعضاء مكتبه». وشدد على أن لمرسي «الحق في اختيار من يشاء للعمل بجانبه في القصر الرئاسي». وأضاف «أما ما يخص الشعب، فيتعلق بالوظائف السياسية التي ينبغي أن يغلب في اختيار أعضائها معيار الكفاءة وحده، دون أي اعتبارات سياسية أخرى»، مطالباً الجميع بانتظار معرفة البطانة الحقيقية للرئيس في خطوة لاكتشافه.
ضمن هذا السياق، أكد العالم المصري، أحمد زويل، أنه اتفق مع الرئيس خلال لقائهما، أمس، على تحديد آليات للعمل على رفع مستوى البحث العلمي في مصر. وأكد زويل أن مرسي ذكر له أسماء 10 علماء مصريين يعرف هو شخصياً أبحاثهم، داعيا إلى قيام منهجية، ومؤسساتية في مجال البحث العلمي في مصر.