باريس | أعلن نشطاء الحركة الأزوادية في بيان لـ«المجلس الانتقالي لدولة الأزواد» أن المواجهات المسلحة التي دارت بين الحركة وتيار «أنصار الدين» المتحالف مع تنظيمي «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا»، قبل أكثر من أسبوع، أسفرت عن مقتل أمير «كتيبة الملثمين»، الجزائري مختار بلمختار. ووفقاً لمصادر الحركة الأزوادية، فإن بلمختار رُصد في مدينة غاوه، في الساعات الأولى من المواجهات التي تفجرت مساء 26 حزيران الماضي. وقام المقاتلون الأزواديون باستهداف سيارته بقذيفة هاون، لكنه لم يكن بين المصابين. ثم حُوصر لاحقاً داخل المدينة، بينما كان مجتمعاً بعدد من قيادات «أنصار الدين» و«التوحيد والجهاد». ووفقاً لمصادر أزوادية تحدثت إليها «الأخبار»، فإن العقيد بونا آغ الكيب أغ كيو، قائد الفرقة التي حاصرت المكان، تعرف إلى بلمختار، وبادر بإطلاق النار عليه فأرداه، ما أدى إلى نشوب مواجهات دامية قُتل خلالها العقيد بونا وعشرة من أعوانه. وهو ما يفسر قيام قوات «أنصار الدين» و«التوحيد والجهاد» في اليومين التاليين بمهاجمة وتخريب مقار «الحكومة المؤقتة الأزوادية»، وارغام مقاتلي حركة تحرير الأزواد على الانسحاب من المدينة.
ولطالما أرق بلمختار أجهزة أمن دول المغرب العربي والساحل الأفريقي، حيث يُعد أقدم وأخطر زعماء الحركات الجهادية في المنطقة. ومنذ استقراره في الصحراء الأفريقية، مندوباً للجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية عام 1992، تم الإعلان عشرات المرات عن مقتل بلمختار أو أسره أو قيام الأخير بتسليم نفسه لسلطات بلاده. لكن أمير «كتيبة الملثمين»، الذي يُعرف أيضاً بأسماء حركية عدة، أشهرها خالد أبو العباس و«مختار الأعور»، كان يلجأ في كل مرة إلى تصعيد العنف للبرهنة بقوة السلاح على أنه ما يزال يتربع على عرش الشبكات الجهادية في الساحل الأفريقي.
عام 1998، كان بلمختار في طليعة المنشقين عن «الجماعة المسلحة» الجزائرية، للالتحاق بـ«الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، التي انضمت إلى «القاعدة» في أيلول 2006، وغيّرت اسمها لاحقاً إلى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وكان الإعلان الرسمي عن ميلاد هذا التنظيم قد تأخر 7 أشهر كاملة، من «بيان البيعة»، الذي أُصدر في 11 أيلول 2006، بسبب تردّد «القاعدة ــ الأم»، في وضع كامل شبكاتها في المغرب العربي وأفريقيا تحت وصاية «الجماعة السلفية الجزائرية». وكشفت مراسلات عُثر عليها لاحقاً، أن الرجل الثاني ــ آنذاك ــ في «القاعدة»، أيمن الظواهري، اقترح على زعيم «الجماعة السلفية»، عبد المالك دروكدال (اسمه الحركي أبو مصعب عبد الودود) أن يتولى زعامة فرع القاعدة في شمال أفريقيا، تحت مسمى «تنظيم القاعدة في بلاد البربر». أما الشبكات الجهادية في دول أفريقيا السوداء، فقد قال الظواهري إنه يفضل تشكيل تنظيم خاص بها، تحت مسمى «تنظيم القاعدة في بلاد السودان» مقترحاً إسناد إمارته إلى أقدم الجهاديين في الصحراء، مختار بلمختار.
لكن ذلك المشروع اصطدم بمعارضة شديدة من قيادة «الجماعة السلفية»، التي سعت طوال 7 أشهر إلى إقناع التنظيم ــ الأم، بأن انفصال شبكات الصحراء سيحرم معاقل الجهاد في الدول المغاربية من أهم مصادر تزويدها بالأسلحة والأموال، عبر التهريب وخطف الرهائن الغربيين في الساحل الأفريقي. ورغم تجاوب الظواهري وقبوله لاحقاً بحجج «الجماعة السلفية»، إلا أن التزكية التي حظي بها بلمختار من الظواهري، أثارت ريبة قيادة الجماعة في معاقل الشمال الجزائري، ما دفعها إلى الإيعاز بتأسيس كتيبة جهادية ثانية في الصحراء الكبرى، وهي «كتيبة طارق بن زياد»، بزعامة عابد حمادو (اسمه الحركي عبد الحميد أبو زيد)، لمنافسة «كتيبة الملثمين» التي يقودها بلمختار.
على اثرها، تفجرت صراعات حامية بين الكتيبتين، فيما استغلت القيادة المركزية لـ«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، ذلك وعينت يحيى جوادي (اسمه الحركي أبو عمار)، في شباط 2009، أميراً للتنظيم في منطقة الساحل، ملزمةً كتيبتي «الملثمين» و«طارق بن زياد» بمبايعته.
وأشارت تقارير أمنية وإعلامية، غربية ومغاربية، إلى أن ذلك دفع بلمختار إلى الانضمام إلى «جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا»، التي انشقّت العام الماضي عن «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».