أن تكون الثورة أنثى، ذلك يعني أن فلسطين أجمل سيدات الأرض. وأن تكون المرأة سراً من أسرار المقاومة، يقودنا حكماً إلى الانحناء طويلاً أمام الأم التي لها الفضل بأنها ربّت وعلّمت من حمل السلاح.بمجرد ذكر الثورة الفلسطينية، أول صورة تحضر إلى الذهن صورة الثائرات الفلسطينيات، منذ ما قبل الاستعمار البريطاني إلى هذه الساعة.

مدينة القدس، كغيرها من المدن العربية، حتّمت على المرأة نمط حياة اقتصر دورها فيه على العناية بالأسرة والمنزل. لكن في عام 1929 كان للمرأة الفلسطينية دور مميّز في مساندة الثوار. إذ احتضنت القدس في هذا العام شهيدتين مقدستين هما عائشة أبو حسن وتشاويق حسين.
تعاظم دور المرأة الفلسطينية في العمل الوطني وشكلت مشاركتها فارقاً في العمل المقاوم.
في عام 1936، ومع اندلاع «ثورة فلسطين الكبرى»، وجدت النساء أنفسهن جنباً إلى جنب مع الرجال في خوض العمل الثوري. بعضهن صرن جزءاً من حكايات بطولية تروى للأجيال اللاحقة، وأصبحت المرأة المقاومة جزءاً أيضاً من الذاكرة الجماعية الفلسطينية. في ذلك العام استشهدت فاطمة غزاوي، فكانت المثال والحجّة في وجه كل من ادعى قلة الحيلة في مواجهة العدو، خصوصاً أنّ بعض الأصوات العربية في تلك الفترة كانت تنادي بالتهدئة مع الصهاينة الوافدين.
هكذا، لم تنتظر أي من نساء فلسطين المقاومات قيام جمعيات نسائية أو تجمعات حزبية، كما أيامنا هذه، لتطل من خلالها على واقعها الاجتماعي. كانت المسألة مسألة وعي فطري بوجوب المشاركة في كل عمل ثوري. لذا، كان من البديهي أن تقوم نساء فلسطين بدور فعال منذ إعلان وعد بلفور وقيام دولة الاحتلال. كل واحدة منهن اختارت النضال على طريقتها. بدءاً من التعلّم ودخول سوق العمل والتألق في المجالات الأدبية والعلمية، وصولاً إلى حمل السلاح في الجبهات، مروراً بمدّ المسلحين بالعون من طعام وسلاح، ولهذه الغاية أُنشئت منظمة نسائية سرية اسمها «زهرة الأقحوان». كذلك كانت النسوة الفلسطينيات حاملات للأسرار العسكرية، فأشهر الأغاني التراثية الفلسطينية «يا طالعين للجبل»، غنتها النسوة للمعتقلين، لإبلاغهم بأن الفدائيين أتوا لتحريرهم. حددت النسوة في الأغنية التوقيت المحدد لعملية التحرير ولمنع البريطانيين من فهم الرسالة موّهن الأغنية باستخدام حرف اللام في كل كلماتها.
بعد النكبة وحملات الإبادة التي قامت بها عصابات الصهاينة، حملت المرأة الفلسطينية الصرّة الثقيلة على كتفها ومشت بها إلى بلاد اللجوء. تحملت النسوة أعباء العيش في البلد المضيف، بالإضافة إلى عبئها الأساسي، أي احتضان العائلة والحفاظ على الروابط الفلسطينية ــ الفلسطينية كي لا تصير العودة مجرّد حلم، وكي لا تصير فلسطين أرضاً بعيدة.
حملن فلسطين معهن في هجرتهن، وكان الشتات بالنسبة إليهن «جبهة» أخرى خضن فيها معارك لا تقل أهمية عن تلك التي كانت دائرة في جبهات القتال. شكلت هذه المرحلة حافزاً مهماً لزيادة الوعي، فكان لتعلم المرأة خصوصاً دور مهم، فهي الآن ستستخدم علمها للتذكير بفلسطين ولزرع الوعي.
مع الوقت اعتادت المرأة الفلسطينية حمل السلاح وأصبح أخف ثقلاً على كتفها. أما البذلة العسكرية، فبدت أكثر جمالاً عندما ارتدتها نسوة ما عدن يكتفين بوداع حبيب ذاهب إلى الجبهة أو باستقبال شقيق مستشهد. هكذا، أصبحت المرأة جزءاً من المشهد النضالي، وليلى خالد مثال يكاد يحكي حكاية روح فلسطين المفعمة بالثورة وبالبارود.
في عام 1982 وبعد اجتياح بيروت، المدينة الأحب على قلب الفلسطينيين، وتوديع نساء المخيم رجال الثورة الذين ركبوا سفناً أممية إلى المجهول، خاضت المرأة المقاومة أشد الحروب قسوة، وعاشت أكثر الظروف صعوبة. ذاقت سيدات فلسطين حرب المخيمات وما تلاها، لكنهن برغم ذلك لم يخلعن عباءة القضية التي من أجلها كنّ هنا.
مرّت حرب تلو أخرى، وانتفاضة تلو انتفاضة، والمرأة الفلسطينية تكتب بيد من نار سطور تحرير فلسطين. فرأينا حقيقة المرأة الفلسطينية في صوت الأم المخاطبة ابنها الباسم الذاهب إلى الاعتقال بأن «كون زلمة يمّا». ورأينا المرأة التي رفعت جبينها إلى الشمس فيما تخفي في قلبها دموعها في استقبال الشهيد، وهي تقول: «رفعت راسي يا ابني». ألف حكاية كتبتها جميلات فلسطين اللواتي تحولن في ساحات المواجهة إلى ايقونات متحركة تحكي القضية بمقلاع وحجر.
خبر تلو خبر، وكل خبر يحكي عن فلسطين نرى شباناً وشابات مخرزاً في عين الاحتلال.
للمشهد وقع مؤثر، ويزداد تأثيره حكماً عندما يُعرض بالتزامن مع حالة الهبوط التي تعيشها بعض الفتيات العربيات اللواتي اخترن، عن سبق إصرار وسطحية، أن يتحولن إلى محور برامج التسطيح الثقافي أو متابعات لها. بعيداً عن التعميم، وتجنباً لخوض معارك وهمية في حقول «حرية المرأة»، التعريف الأكثر موضوعية لدور المرأة يكمن في البنية المجتمعية التي تنتج إما مقاومات وإما دمى سيليكون تمشي على الأرض. وبالتالي، المشهد الفلسطيني زاخر بفتيات يبتسمن بينما قيد المحتل في أيديهن، وبشابات زينتهن الكوفية وحجر. نساء فلسطين أعدن إلى المرأة العربية صورتها الأسمى.