الرباط | يعيش حزب «الاستقلال»، عميد الأحزاب السياسية في المغرب، أكبر أزمة في تاريخه منذ تأسيسه، بعدما فشل في انتخاب زعيم له عقب المؤتمر الوطني الأخير للحزب اليميني الذي يشكل امتداداً للحركة الوطنية. الفشل في انتخاب زعيم سببه اشتداد الخلافات بين تيارين قويين داخل الحزب المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي، وتمسك كل منهما بموقفه وطموحه في الظفر بمنصب الأمين العام للحزب خلفاً للزعيم المنتهية ولايته والوزير الأول السابق عباس الفاسي.
وتبين من خلال النقاشات أن حجم الخلافات والتباينات في وجهات النظر والمواقف أكبر مما كان يتصوره الاستقلاليون أنفسهم، الذين تعودوا التوافق على مرشح معين. وشكّل ترشح عمدة مدينة فاس، حميد شباط، النقطة التي أجّجت الاحتقان داخل الأسرة الاستقلالية بعد الأزمة الصامتة التي عاشها الحزب غداة مرحلة توزيع الوزارات على أعضائه، التي وجهت خلالها انتقادات لاذعة آنذاك لعباس الفاسي، وعجلت بعقد المؤتمر الحالي تفادياً لتطور الصراعات داخل
الحزب.
واضطر رئيس المؤتمر محمد الأنصاري إلى إعلان إرجاء انتخاب الأمين العام وأعضاء اللجنة التنفيذية إلى اجتماعات المجلس الوطني التي لم يحدد إلى اللحظة موعدها، بعدما اشتدّ الصراع في الكواليس بين الطرفين خلال أيام المؤتمر، فيما فشلت إلى الآن كل مساعي الوساطة في إقناع شباط بالتخلي عن عناده، في ما يبدو أنه ثورة ابن الشعب على حزب ظل دائماً في قبضة العائلة الفاسية
المحظية.
دخول شباط مرشحاً قوياً في اللحظة الأخيرة قلب كل التوقعات التي كانت تسير جميعها في اتجاه تزكية عبد الواحد الفاسي، ابن الزعيم الراحل علال الفاسي، قائداً في المرحلة المقبلة، حيث يحظى شباط بدعم كبير من القطاعات الشبابية والنقابية والنسائية للحزب، التي تدين بالولاء له، بالإضافات إلى عدد من الأعيان في عدد من الجهات ممن يرون في استمرار قيادة الحزب في يد آل الفاسي أمراً غير
ممكن.
وفي سؤال لـ«الأخبار» عن قدرة الحزب العريق على اجتياز الازمة، أكد المحلل السياسي المغربي عبد الرحيم منار السليمي أنه لا يزال مقتنعاً بمقولة «الصواب الاستقلالي» القادرة على تجاوز أي صراع داخلي مهما كانت درجة حدته. وأضاف أن استمرار التنافس برأسين سيكون له انعكاسات سيكولوجية سلبية على مكونات التنظيم.
بدوره، نفى رئيس المؤتمر الحزبي، محمد الأنصاري، أن يكون الحزب يعيش أزمة «خلافات». وقال خلال ندوة صحافية عقدها لتفسير ما يجري داخل البيت الاستقلالي إن «الخلافات هي أمر طبيعي ولا توجد هناك أزمة في الحزب. لقد أجلنا عملية الانتخاب إلى وقت لاحق بسبب مشكل تدبير الوقت والتعب لا غير».
واحتدم الجدل الكلامي والاتهامات المتبادلة بين الأمين العام السابق عباس الفاسي والوزير محمد الوفا الذي خرج غاضباً من المؤتمر، بعدما أشارت أخبار إلى أنه مطروح كمرشح توافقي باقتراح من النظام في المغرب، الذي لا ينظر بعين الرضى إلى حميد شباط زعيماً قبل أن تجبره التعديلات في قوانين الحزب على الخروج من
المنافسة.
وانتقد عباس الفاسي تقديم الوفا لنفسه كمرشح للملك، ما اضطر الأخير إلى الرد عليه بقوة عبر الصحف واتهامه بالكذب وبجر الحزب إلى وضع كارثي.
وقال الوفا لـ«الأخبار»: «الحزب أكبر من كل ما يجري، وسيتجاوز ما يجري حالياً، لكنها فترة يجب أن يعرف خلالها الحزب
الوضوح».
هكذا يعيش حزب الاستقلال، الذي لم يتعود هذا الصخب، والذي يوصف بأكثر الأحزاب استقراراً، ربيعاً على طريقته الخاصة، فلمن ستؤول الزعامة؟ لابن الشعب شباط؟ أم للأوليغارشية الفاسية؟ أم أن القصر سيتدخل ويحسم التنافس لمصلحة مرشح ثالث ينهي الاحتراب
الداخلي؟