تونس | تجمع يوم الأحد الماضي عدد من المواطنين في مدينة صفاقس، العاصمة الاقتصادية لتونس، بدعوة من «رابطة حماية الثورة»، القريبة من حركة «النهضة»، التي تعدّ أقوى أحزاب الائتلاف الحاكم، للمطالبة بطرد الباجي قائد السبسي، زعيم حزب «نداء تونس»، بعدما تردّد أنه يعقد اجتماعاً في المدينة، قبل أن يتبيّن أنه لم يكن موجوداً في صفاقس، وأن الاجتماع كان وهمياً! هذه المبادرة لمنع «الدساترة» من الاجتماع ليست الأولى. فقد سبق لهذه الرابطة، في المدينة نفسها، أن منعت حزباً آخر محسوباً على الحركة الدستورية في شهر نيسان الماضي، من عقد اجتماعه. كذلك بدأت بعض الأوساط القريبة من النهضة في المساجد،
تدعو إلى توقيع عريضة تطالب المجلس التأسيسي بإقصاء «التجمعيين» من أنصار النظام السابق ومنعهم من النشاط السياسي. وأعلن وليد البناني، نائب رئيس كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي، أن الكتلة ستوافق على القانون الذي تقدمت به كتلة حزب المؤتمر لمنع «الدساترة»، من الترشح في الانتخابات على غرار ما حدث في الانتخابات الماضية، تطبيقاً للفصل الـ ١٥ الذي فرضته القوى اليسارية في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، إلى جانب منعهم من النشاط السياسي لمدة تراوح بين عشر وخمس سنوات.
مشروع النهضة، الذي بدأت عملياً الحركة في تنفيذه عبر الدعوة في المساجد ضد زعيم حزب «نداء تونس» وعبر ترويج العرائض، لم يلق أي تجاوب من أغلب الأحزاب، ولا سيما المعروفة بمواقفها الراديكالية، مثل حزب العمال الشيوعي وحركة الوطنيين الديموقراطيين، وكذلك أقوى أحزاب المعارضة الحزب الجمهوري والمسار الديموقراطي الاجتماعي. وكانت هذه الأحزاب قد أدت دوراً أساسياً في إقصاء التجمعيين من الانتخابات الماضية، في الوقت الذي كانت فيه «النهضة» ترسل لهم رسائل مطمئنة للحصول على أصواتهم في الانتخابات، وهو ما حصل فعلاً؛ إذ صوتت غالبية قواعد الحزب الحاكم سابقاً، الذي يعد أكثر من مليوني منخرط، حسب تصريحات مسؤولي النظام السابق لقوائم «النهضة»، بحثاً عن الاطمئنان، وخوفاً من المحاسبة وعقاباً لليسار، كما صرح بذلك عدد من قادة الصف الثالث في الحزب المنحل.
ورفضت أحزاب اليسار بشدة، خلافاً لما قبل الانتخابات، أي إقصاء للدساترة خارج القضاء.
وقال زعيم حزب «العمال» الشيوعي، حمة الهمامي، إن اليسار يتمسك بمحاسبة كل من أجرم، لكنه يرفض العقاب الجماعي.
وهو نفس موقف «نداء تونس» والحزب الجمهوري والمسار الديموقراطي الاجتماعي وأغلب الأحزاب التونسية. أما الأحزاب الثلاثة الرئيسية المنحدرة من الحركة الدستورية، مثل حزب المبادرة بزعامة كمال مرجان، آخر وزير خارجية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، و«التحالف الوطني» بزعامة محمد جغام رئيس ديوان سابق للرئيس بن علي والحزب الدستوري الجديد بزعامة أحمد منصور، فقد شكلوا تنسيقية وهددوا بمقاضاة الحكومة لدى الهيئات الأممية، إذا أُقصوا من الانتخابات المقبلة التي لم يتحدد موعدها رسمياً بعد.
ويرى المتابعون للشأن التونسي أن المقصود من عملية الإقصاء بشكل رئيسي، تهيئة الأرضية لانتخابات بلا منافس جدي، وبالتالي ضمان فوز «النهضة» بغالبية المقاعد. ويترقب المتابعون لمعرفة ما إذا كانت «النهضة» ستنجح في إمرار مشروعها داخل المجلس التأسيسي بالتحالف مع كتلتي «المؤتمر من أجل الجمهورية» وكتلة «حركة وفاء»، وخصوصاً أن هذه الأطراف الثلاثة أعلنت رسمياً حرصها على إقصاء التجمعيين والدساترة لتحقيق أهداف
الثورة.