دمشق | أثار وصول دفعة مالية نقدية، بالليرة السورية، من روسيا إلى المصرف المركزي السوري، جملة من التساؤلات حول تغطية النقد الجديد بسلع وخدمات، أم أنّه سيطرح في السوق دونما معادل، ما يزيد من معدل التضخم، ويجعله عاملاً إضافياً في تراجع سعر صرف الليرة السورية التي فقدت أكثر من 30% من قيمتها منذ اندلاع الأزمة السورية. في هذا السياق، أكد أستاذ النقد في جامعة دمشق، محمد جمعة، وصول الدفعة الأولى من الكمية المتفق على طباعتها في موسكو (75 ملياراً)، معتبراً أن العملية تأتي ضمن «خطة محكمة وطبيعية، تقوم بها كل المصارف المركزية لغرض استبدال عملتها المهترئة». لكن جمعة لم يستبعد في حديث مع «الأخبار» أن يكون جزء من المبلغ «لاحتياجات الإنفاق العام، كالرواتب والأجور، أو تمويل بعض المشروعات». في المقابل، اختلف كلام حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة، إذ قال «لن يأتي الورق النقدي الجديد لطرحه بطريقة تضخمية غير مغطاة، بل لاستبداله بالعملة المهترئة».
والعملة السورية الجديدة، بحسب مصادر المصرف المركزي، هي من فئات مماثلة للعملة السورية المتداولة الآن، «وليست كما روّج أخيراً من مقاسات ورق مختلف، وستكون بديلة من العملة القديمة، كما أنها لم تطرح في السوق حتى الآن، على خلاف ما قيل أخيراً عن أن العملة الجديدة طرحت في مدينتي دمشق وحلب من قبيل التجربة، وهي «لتبديل المهترئة فقط وليس للتمويل بالعجز كما يروّج أعداء سوريا».
من جهتهم، تخوّف اقتصاديون سوريون من تأثير الورق النقدي الجديد على تضخم الليرة، وارتفاع أسعار السلع والمنتجات في السوق السورية، والتي «زادت بنسب كبيرة ومتفاوتة، ولم تعد تتناسب مع دخل المواطنين». ودعم الاقتصاديون رأيهم ببطء العجلة الاقتصادية عموماً، والإنتاجية على وجه التحديد.
بيد أن أستاذ النقد محمد جمعة أكد ثقته بمجلس النقد والتسليف السوري، ورأى أنّ «الانسجام بين الكتلة النقدية من جهة والسلعية والخدمية من جهة ثانية متحقق في سوريا، ولن يكون هناك انفصال، وهو ما يقدّره صنّاع السياسة النقدية جيداً، وإلا لحصل تدهور في سعر العملة». وتابع جمعة «لا أتوقع أن يكون هناك تأثير على سعر الليرة، لأن المصرف المركزي ينسّق مع المصارف السورية، عامة وخاصة، وهناك دراسة يومية لما يتعلق بالتدخل وضخّ الكتل الدولارية، وذلك بحسب الطلب الذي غدا معروفاً بدقة». وبرّر جمعة ثقته باستقرار أسعار الصرف منذ حوالى شهرين، إن لجهة ما يتعلق بسعر الدولار لتمويل المواد الأولية الأساسية ( 64 ليرة للدولار)، والتي لا تزيد رسومها الجمركية عن 1%، أو لجهة السعر التدخلي (68 ليرة للدولار)، وهو سعر المبيع في المصارف».
إلى ذلك، أكدت مصادر خاصة للـ«الأخبار» أن الـ75 ملياراً «ما هي إلا دفعة»، وستصل دمشق مبالغ مالية أخرى في الأشهر المقبلة. وشكّكت المصادر في قدرة المقابلات التي يملكها المصرف المركزي على تغطية النقد الجديد، عملات أجنبية كانت أو سندات حكومية، لكنها لمّحت إلى ملامح اتفاق سوري _ روسي _ صيني على قبول العملة السورية ثمناً للمبادلات التجارية، وفق سعر الروبل واليوان في السوق السوداء.
وكانت سوريا، التي تنامى العجز لديها بعد العقوبات الأوروبية والمقاطعة العربية وتعطّل الإنتاج وإعاقة التصدير، وفي مقدمته النفط الذي يرفد الخزينة بحوالى 11 مليون دولار يومياً، قد أعلنت العام الجاري أعلى موازنة في تاريخها (1326 مليار ليرة)، وهذا ما زاد من التوقعات والتشاؤلات حول مصادر التمويل وإيجاد الموارد، وبالتالي صمود الاقتصاد السوري ومحافظة الليرة على سعر صرفها.
وكانت قد ثارت في الآونة الأخيرة شائعات في الشارع السوري مفادها أن العملة الجديدة لن تكون لها قيمة في التداول الخارجي، وهو ما سعى المسؤولون الاقتصاديون إلى نفيه.