جذبت الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى اسرائيل قبل نحو أسبوعين اهتمام دول المنطقة منذ الإعلان عنها حتى انتهائها، وذلك في محاولة لتحديد موقعها فوق خريطة معادلات الصراع والتجاذب الدائرة في المنطقة. «الأخبار» اطلعت على تقرير دبلوماسي يفصل طبيعة المناقشات التي أجراها بوتين مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو والرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز.
طوال ساعة ونصف الساعة دام اجتماع بوتين مع نتنياهو. كان مهماً بالنسبة للأخير أن يسمع بوتين يفتتح لقاءه به بإبداء تعاطفه مع قضية «محرقة اليهود» في الحرب العالمية الثانية. وكان له ما أراد. وقال له بوتين «أتفهم شعور الإسرائيليين في ما يتعلق بمحاولات تشويه التاريخ»، ويقصد بذلك الأصوات التي تنكر محرقة اليهود.
شكّلت عبارة بوتين مدخلاً طيباً بنظر نتنياهو لنقاش تفاصيل أساسية على صلة بالعلاقات الثنائية بين الدولتين. ولكن «القيصر الجديد»، وهكذا يسميه بيريز، رمى داخل اللقاء مفاجأة أخرى، عندما قال إنه «قلق وخائف على مصير المواطنين اليهود الإسرائيليين من أصل روسي القاطنين في اسرائيل من فوضى قد تعم المنطقة نتيجة تداعيات الأزمة السورية». وأضاف «أنا سأعمل من أجل أن يعيش هؤلاء بأمن واستقرار».
لم يستطع نتنياهو إخفاء دهشة اعترت ملامحه؛ فبوتين يقارب أمن اسرائيل انطلاقاً من أن موسكو لديها اعتبار أخلاقي يلزمها بحماية مواطنين اسرائيليين من أصل روسي. وهنا يطرح بوتين «شراكة في حماية أمن اسرائيل تنطلق من مفهوم اختلاط الديموغرافيا المهاجرة بينهما»، في مقابل أن الولايات المتحدة تطرح «شراكة استراتيجة في حماية أمنها تنطلق من مفهوم الوظيفة الاسرائيلية لأميركا»، على حدّ تعبير مسؤول إسرائيلي كبير، لأحد أعضاء الوفد الروسي.
لقد عرض بوتين ضمن هذا السياق الجديد لمفهومه للعلاقة الاسرائيلية ـ الروسية (كما فهمته اسرائيل على الأقل)، أن الروس مهتمون بأن يقوموا بمد سكة للحديد بين تل أبيب وإيلات.
وعلى مستوى آخر ، طُرح خلال النقاش التعاون بين شركة «غاز بروم» الروسية وإسرائيل، على أساس أن تشارك هذه الشركة، من بين شركات روسية أخرى، في عملية استخراج الغاز المكتشف حديثاً في مناطق الشمال. وأبدى بوتين رغبته بإرساء مزيد من التعاون في التكنولوجيا العالية المستوى وفي مجال التعاون الأمني. وطرح إرساء اتحاد جمركي بين روسيا وإسرائيل.
سوريا
وفي معرض إجابته عن سؤال لنتنياهو حول الدور الروسي في الأزمة السورية، أقرّ بوتين أن «لبلاده نفوذاً كبيراً في سوريا». وقال «انطلاقاً من ذلك أنا مستعد للتعاون مع الجميع في المنطقة». وأثار نتنياهو موضوع الأسلحة غير التقليدية أو النوعية الروسية المصدرة الى سوريا، كصواريخ «س ٣٠٠»، وقال إن اسرائيل تتخوف أن ينتهي الأمر بهذه الأسلحة إلى أيدي تنظيم «القاعدة» أو حزب الله.
ووعد بوتين بالنظر في هذه المسألة ومعالجتها على نحو يلغي هذا الاحتمال المقلق لاسرائيل، ولكنه في نفس الوقت أكد أن «موسكو يساورها شك كبير بإمكانية سيطرة المعارضة السورية على الأمور في سوريا». وأبلغ نتنياهو أنه «لا يرى أي بديل أفضل من (بشار) الأسد لحكم سوريا».
ولم ينتظر نتنياهو انتهاء الوقت البرتوكولي للقاء الرسمي ليخبر بوتين أن لدى الاستخبارات الاسرائيلية ملفاً في غايةالأهمية ترى من مصلحة الأمن في المنطقة اطلاع موسكو عليه. ولمّح دبلوماسي إسرائيلي في سفارة موسكو لاحقاً الى أن هذا الملف يتعلق بسوريا وقضايا أمنية حساسة تتعلق بأزمتها الحالية. واعتبر هذا الملف الأمني الذي يحتوي على «مواد استخبارية» ، بحسب التوصيف الاسرائيلي له، بمثابة أحد الألغاز الأكثر أهمية في زيارة بوتين لإسرائيل.
وكان للنقاش في الملف السوري والدور الروسي العائد للمنطقة تتمة أكثر عمقاً في المحادثات الثنائية، التي عقدها بوتين مع بيريز. قال الأخير إنه «تواق للسلام، وإنه يريد هو شخصياً أو نتنياهو اجراء مباحثات مباشرة مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن». وفي إشارة لافتة تعبر عن أن اسرائيل قررت رفع حظرها التاريخي على قبول دور منفرد لموسكو في عملية المفاوضات العربية - الاسرائيلية، وخصوصاً بين الاسرائيليين والفلسطينين، أضاف بيريز «أنا أقدم عرضاً، واتمنى منكم يا سيدي الرئيس أن تنقلوا هذه الرسالة لأبي مازن».
وهنا عرض بوتين رؤيته لتعثر المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية، وقال «الموضوع ليس محادثات، بل فقدان الثقة، مما لا يمهد الأرضية لمعاودتها، وبالتالي يجب العمل على بناء الثقة». وأشار الى مقاربة عامة لموسكو تنطبق على كل مشاكل المنطقة، مفادها أن «الأمن والاستقرار في الشرق الاوسط لا يمكن ولوجهما من باب القوة العسكرية فقط».
إيران
كان مهماً لنتنياهو، خلال لقائه القصير مع بوتين، استطلاع وجهة نظر موسكو تجاه الملف الايراني. وأكد لضيفه أنه يتبنى المطالب المجموعة السداسية في مفاوضاتها مع ايران وهي: وقف التخصيب بنسبة ٢٠ في المئة، وشحن المواد المخصبة للخارج، وإغلاق موقع فوردو النووي. وتمنى على بوتين تسهيل «متابعة سياسة العقوبات الدولية ضد ايران». واشتكى له من «تهديد عضو في الامم المتحدة (ايران) بتدمير عضو آخر (اسرائيل)».
جاء ردّ بوتين موافقاً لنتنياهو في أنه يجب احترام مبادئ القانون الدولي، وقال إن «أية سياسة تنتهجها ايران لن تؤدي الى انقسام في موقف مجموعة السداسية الدولية». لكنه اعترض على «سياسة العقوبات غير المجدية».
وأخيراً اتسع النقاش ليشمل الاقتصاد. وفي اطار البحث في العلاقات الثنائية الاقتصادية، ناقش الطرفان باسهاب الوضع الاقتصادي في روسيا، وذلك انطلاقا من أن اسرائيل تملك استمارات كبيرة هناك، وحيث إن مستوى التبادل التجاري بلغ الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام ٦٦٠ مليون دولار (بلغت الصادرات الروسية ٣٨٥ مليون دولار والواردات الاسرائيلية ٢٧٥ مليوناً).
ولخص نتنياهو وجهة نظر بوتين عن اقتصاد بلده ومستقبله، بأمرين: أولا، وضع روسيا الاقتصادي جيد، وهي لم تتعرض للكثير من الضرر جراء الأزمة المالية العالمية. وثانياً، إن روسيا لن تغير هيكلية احتياطاتها المالية. وأبدى نتنياهو رغبة بإدارة نقاش حول الوضع الاقتصادي في روسيا، من باب أن لإسرائيل مصلحة في استقراره ونموه نظراً لحجم الاستثمارات الاسرائيلية المتنامية هناك.
بوتين بدوره، أجاب بثقة على مضيفه، بحيث أكد على أمرين، الأول أن وضع روسيا جيد وهي لم تتعرض للكثير من الضرر جراء الأزمة المالية العالمية. والثاني أن روسيا لن تغير هيكلية احتياطاتها المالية.