... ويبقى السيناريو السوري مفتوحاً على احتمالات عديدة وعلى خيارات يتبادلها الصحافيون الأميركيون التائهون بين تصريحات مسؤوليهم الرسمية، وإصرار البيت الابيض على عدم شنّ هجوم على سوريا «من دون تقديم بدائل فاعلة»، اضافة الى الغموض الذي يلف مصير الموقف الروسي في سوريا والمنطقة. لا شيء واضحاً بالنسبة إلى المحللين الأميركيين عما ستؤول اليه الأحداث السورية في المدى القريب. وحدها أخبار الانشقاقات والتحذيرات من انتقال الفوضى الى الدول المجاورة وواقع أن سوريا باتت تشكّل «وجع رأس مزمناً» للحكومة التركية، هي الثابتة بين معظم وجهات النظر المطروحة في الإعلام.

افتتاحية «ذي واشنطن بوست» منذ أيام، عبّرت عن استهجان لدبلوماسية إدارة باراك أوباما المعتمدة تجاه سوريا، والتي حسب الصحيفة، «تبدو تافهة وعاجزة». الافتتاحية تذكّر بتصريحات وزيرة الخارجية الاميركية حول أن «روسيا مستعدة للقبول بخطة انتقالية في سوريا من دون الأسد»، وهو ما نفاه وزير الخارجية الروسي بعد ساعات، معلناً نقيضه.
«عدا كلينتون، يبدو المسؤولون الاميركيون غير مؤمنين بسياستهم المعتمدة تجاه سوريا»، تقول الصحيفة. «ذي واشنطن بوست» اتهمت حتى الادارة الاميركية بتعطيل أي قرار حاسم للأزمة السورية. وأضافت أن «السوريين يُقتلون كل يوم وواشنطن تلقي اللوم على روسيا». وذكّرت الافتتاحية في هذا الاطار بما نقلته صحيفة «حرييت» التركية عن رفض الولايات المتحدة اقتراحاً تركياً لتدخل أطلسي في سوريا.
وفي الصحيفة الاميركية نفسها، أطلّ بول وولفوفيتز، أحد صقور المحافظين الجدد ونائب وزير الدفاع في عهد جورج والكر بوش، في مقال مع مارك بالمر ليذكّرا بفشل كوفي أنان كمبعوث لحل الأزمة السورية وليطالبا بتسليح المعارضة السورية وإنشاء مناطق آمنة في تركيا برعاية أميركية، وشنّ هجوم عسكري على سوريا شبيه بالحملة الاخيرة على ليبيا.
روبرت دريفوس في «ذي نايشن» ردّ على طروحات وولفوفيتز ـ بالمر، مشدداً على ضرورة الابقاء على أنان وسيطاً في الازمة القائمة، علّه يجد طريقة لإقناع روسيا بخطة سلام فاعلة وعملية، وعلّه أيضاً يثني واشنطن عن التركيز فقط على شكل التركيبة السياسية في مرحلة ما بعد سقوط الأسد. «وكل الأصوات التي تعلو مطالبة برأس الأسد مثل طروحات وولفوفيتز وشركائه الفاقدة للصدقية، لا تسهّل على أنان مهمته تلك»، يخلص دريفوس.
ما الذي يجب أن تفعله الادارة الاميركية في سوريا اذاً؟ يأتي الجواب من براين فيشمان، الباحث في «مؤسسة أميركا الجديدة» في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» . حسب الباحث، يجب على واشنطن أن تنفذ «استراتيجية الاحتواء المرن» من خلال تحقيق أهداف معيّنة مثل: إسقاط بشار الأسد، احتواء الصراع المذهبي، تحجيم نمو الاسلحة الكيميائية والبيولوجية السورية، الحدّ من انتشار الجهاديين المرتبطين بتنظيم «القاعدة»، والتخفيف من الأزمة الانسانية. فيشمان يلفت الى أن العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية لن تحقق الغايات في سوريا، لكنه يضيف، أن اللجوء الى الحل العسكري كونه الملاذ الأخير المتبقي، ليس كافياً. الباحث يشير الى أن من يدعون الى إرسال جنود أميركيين الى سوريا يجب أن يظهروا أن ذاك التدخل العسكري سيكون فاعلاً وستكون لديه فرصاً للنجاح والاتيان بنتائج مؤكدة.
فيشمان حذّر أيضاً من نتائج «غير مقصودة» لتدخل عسكري أميركي لإسقاط الأسد، وعدّد منها المساهمة في انتشار التطرف، وتقوية الحركات المتشددة وتسليحها، خطر انتقال السلاح الكيميائي والبيولوجي الى أيدي الجهاديين المعارضين أو الى أطراف خاصة أو لحزب الله.

استهداف الروس في سوريا

مارك كاتز على موقع مجلة «فورين بوليسي»، سأل عن الدور الروسي المتصاعد في سوريا وعن تداعيات إرسالها سفناً حربية الى مرفأ طرطوس أخيراً «في خطوة لن تؤدي سوى الى زيادة التوتر والفوضى في المنطقة».
كاتز، وبعد عرضه للأسباب التي تدفع روسيا الى التمسك بسوريا وقواعدها العسكرية فيها، طرح سؤالاً: «لكن ماذا لو هاجمت المعارضة السورية القوات الروسية المتواجدة على الاراضي السورية حالياً؟». الكاتب يصف استهداف المعارضة السورية للقوات الروسية، حتى قبل وصول السفن الحربية الاخيرة، بـ«الخطوة المستحبّة سورياً وعربياً، حيث هناك امتعاض من الدور الروسي المساند للأسد». كيف ستكون ردّة فعل روسيا اذاً في حال هوجمت طواقمها على الاراضي السورية؟ يشرح الكاتب أنه قد تلجأ موسكو الى سحب قواتها من سوريا، الأمر الذي سيتسبب في إضعاف الأسد وزعزعة هيبتها في المنطقة. الخيار الثاني، حسب الكاتب، هو أن تزيد روسيا من عديد قواتها لكنها ستقدم بذلك مزيداً من الأهداف لهجمات المعارضة السورية. كاتز يرى أن كلا الخيارين سيلحقان الأذى بالرئيس فلاديمير بوتين على الصعيدين الدولي والمحلي. كاتز يخلص الى مناشدة المعارضة السورية المسلحة مهاجمة القوات الروسية الموجودة في سوريا حالياً حتى قبل وصول السفن الحربية.
وجع رأس أردوغان
ضبابية الوضع السوري، وعدم وضوح السيناريو النهائي لحلول الأزمة، طرحها مورتون أبراموفيتز من زاوية تأثير ذلك على تركيا.في مقاله في «ذي ناشيونال إنترست»، يصف الكاتبالأزمة السورية بـ «أسوأ وأكبر وجع رأس لرجب طيب أردوغان»، الذي يريد أن يثبت نفسه قائداً لتركيا ويحافظ على مكانة ودور بلاده في المنطقة.
أبراموفيتز يقول إنه «ليس بالامكان فعل الكثير في سوريا من دون موافقة تركيا». ويضيف أن أردوغان رفض حتى الآن أن يقود أي هجوم عسكري على سوريا، لكنه تمنّى أن تصعّد واشنطن من تحركاتها تجاه نظام الأسد. الكاتب يخلص الى القول إن تركيا والولايات المتحدة يبدوان متفقين على اعتماد الدبلوماسية الضغيفة لاعتقادهما أن الأسد سيسقط عاجلاً أم آجلاً. أبراموفيتز يرى أن تأثيرات تداعيات الأزمة السورية على تركيا ستدوم طويلاً. ويشرح أن العلاقات التركية ـ الإيرانية قائمة لكن في ظل «عدم غرام البلدين ببعضهما». ويشير الى اعتماد تركيا بنحو أساسي على النفط الروسي، اضافة الى التخوف من تحريك سوريا لحزب العمال الكردستاني المعارض والمسلّح على أراضيها... «تركيا لا تريد أن تذهب الى الحرب لكن أردوغان لا يريد أن يبدو ضعيفاً»، يعلّق الكاتب.
وعلى جبهة اخرى، حذّر المحلل مايكل نايتس في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» من تداعيات دعم واشنطن للقبائل المعادية للأسد على الحدود السورية ـ التركية، قائلاً «على الرغم من أن الدعم القبلي العراقي قد يساعد المتمردين في شرق سوريا، بمنحهم خط إمداد ومنطقة خلفية محمية، إلا أنه يثير أيضاً بعض المخاوف». ويشرح نايتس أنه «يتعيّن على صناع السياسة الأميركيين وزن تداعيات المناشدات الأجنبية المباشرة لزعماء القبائل العراقيين وما قد يترتب عنها من تأثير على العلاقات العراقية الخليجية المستقبلية، وعلى علاقة بغداد بأصحاب المصالح العرب من السنة المحليين، وعلى تماسك العراق نفسه. اضافة الى خطر تنظيم القاعدة».
«وللحد من الآثار العكسية على الشؤون العراقية والإقليمية، ينبغي على الولايات المتحدة مراقبة الوضع من خلال الاستفادة من العلاقات الوثيقة التي أقامتها مع العديد من كبار الزعماء القبليين من العرب السنة على طول الحدود العراقية السورية منذ عام 2003. ومن خلال فهم تفصيلي للديناميكيات بين الحدود تستطيع واشنطن أن تأمل في تعزيز المعارضة السورية مع منع منتسبي تنظيم «القاعدة» من لعب دور أكبر في أي من البلدين»، يختم نايتس.



«تأثير هائل لانشقاق طلاس»

دايفد شانكر حلل انشقاق العميد مناف طلاس عن الحرس الجمهوري السوري في مقال في «نيويورك دايلي نيوز» نقله موقع «معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى». شانكر رأى أنه «ورغم أن التأثير العملياتي لرحيل طلاس على وحدته الخاصة قد لا يكون كبيراً، إلا أن التأثير على الانتفاضة الشعبية «قد يكون هائلاً». الكاتب يضيف أنه «حتى وإن كان طلاس من نوع الشخصيات الأساسية التي يمكن أن تدعمها واشنطن بشكل كامل، إلا أن بإمكانه ايضاً أن يلعب دوراً في تحقيق هدف مفيد. فيبدو أن طلاس يحظى بجاذبية مستمرة لدى بعض المسلمين السنّة، ويحتمل أن يؤدي رحيله إلى تشجيع زملائه من الجنود السنّة وحتى التحفيز على حدوث انشقاق جماعي عن جيش الأسد».
«وفيما قد يكون هذا النوع من الانشقاق ضرورياً لإسقاط نظام الأسد»، يتابع شانكر، «إلا أنه ينطوي على بعض المساوئ. فإذا ترك السنّة الجيش والتحقوا بالمعارضة بأعداد كبيرة، فقد يعزز ذلك الطبيعة الطائفية المتزايدة للصراع ويؤدي الى تنفيذ عمليات انتقامية بعد سقوط النظام».