القاهرة | ما إن التقط المصريون أنفاسهم بانتهاء الانتخابات الرئاسية، ونزع فتيل اللغم داخل الصندوق الانتخابي، حتى باغتهم الرئيس المنتخب محمد مرسي بقنبلة ألقاها في الشارع السياسي، عبر إعلانه عودة مجلس الشعب للانعقاد، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، مستعرضاً قوته أمام العسكريين. استعراض فجّر جدلاً قانونياً وسياسياً طاول القضاء والأحزاب السياسية، واستدعى سؤالاً ملحاً حول الدور المستقبلي للمجلس العسكري، وخصوصاً أن صراع مؤسستي الرئاسة والقضاء، هو صراع بالوكالة بين الإخوان والمجلس العسكري. تطورات طرحت تساؤلات عن رد فعل العسكريين، وما إذا كانت الأمور ستصل به الى تقليد النموذج الباكستاني، حيث يهمين الجيش على مقاليد الأمور، أم أن ادارة الحكم في مصر تنحو باتجاه النموذج التركي؟
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والباحث في العلاقات المدنية العسكرية، محمد عبد الله، حلل المشهد العام قائلاً «لدينا الآن جزء من النموذج الباكستاني، وجزء من النموذج التركي. التركي يتجسد في وجود مجلس الدفاع الوطني المنصوص عليه في ملحق الإعلان الدستوري المكمل، الذي تتعلق اختصاصاته بقرارات الحرب والإنفاق العسكري والسياسات الدفاعية، وغالبية أعضائه من المجلس العسكري. أما النموذج الباكستاني، فيتجسد بقوة في الدور الاقتصادي للمؤسسة العسكرية، التي تدير قرابة ثلث الناتج المحلي الإجمالي لمصر، سواء بشكل مباشر أو بطريقة غير مباشرة، فضلاً عن التداخل المدني العسكري الذي جعل العسكريين يتغلغلون في النظام السياسي والإداري للدولة». ونبه من أن «استنساخ النماذج لا يكون كاملاً في النظم السياسية، بل يكون متشابهاً في أوجه، ومختلفاً في أخرى». وخلص إلى أن مصر الآن تتجه نحو نموذج جديد يحدده عاملان رئيسان: الأول هو تصور المؤسسة العسكرية لدورها في المستقبل والخطوط الحمراء التي تضعها لنفسها، إذا اضطرت إلى التراجع عن جزء من هذا الدور تحت أي ضغط محتمل، أما العامل الثاني، فيتعلق بمدى قدرة التيارات الصاعدة على تغيير النظام السياسي».
وقال عبد الله إنه «كلما كان التدخل السياسي للمؤسسة العسكرية واضحاً ومؤسساتياً، كان المكون التركي في بناء النموذج المصري أكبر. وكلما كان دور الاقتصاد للمؤسسة العسكرية راسخاً ومؤسساتياً، وكان العسكريون حاكمين للتفاعلات السياسية على نحو غير ظاهر، عبر أدوات تحكيمية بين القوى المتعارضة في المجتمع، كان المكون الباكستاني في بناء النموذج المصري أقرب». ولفت الى أن الخيارات التي سيلجأ إليها العسكري على نحو تصاعدي ستكون على 4 مستويات هي، ترك المواجهة بين السلطات، ثم استخدام ضغط الشارع لينال من القصر الجمهوري، فالتفاوض، وصولاً الى الانقلاب العسكري وإطاحة مرسي، معتبراً أن الرد الهادئ للمجلس العسكري حالياً يرجح عدم جنوحه إلى المواجهة المباشرة سريعاً.
من جهته، رأى أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، المختص في الشؤون المدنية والعسكرية، أن احتمال النموذج الباكستاني كبير، مرجعاً ذلك إلى أنّ «الصراع بين الإخوان والمجلس العسكري بدأ منذ اللحظة الأولى، ولا يزال موجوداً حتى لو لم يأخذ شكل الصدام، فالطرفان يلاعبان بعضهما بعضاً بذكاء من دون الوصول إلى صدام»، مشيراً الى أن سلوك الكتاتني في مجلس الشعب يثبت أن قرار مرسي لم يكن ثورياً، بل قراراً يدور في فلك الصدام الناعم.
وأشار عبد ربه الى أن «حدوث النموذج الباكستاني قد يتم جزئياً بسبب تساوي موازين القوى بين الطرفين في الوقت الحالي، وهو ما يجعل احتمال حدوث انقلاب كامل ليس باليسير»، مبيناً أن «ملامح التطبيق الجزئي سيكون في السعي إلى إسقاط شرعية مرسي، على أن يعقبها إما تسليم للسلطة لأطراف أخرى، أو إجراء انتخابات تنبثق عنها قوى جديدة»، وذلك بعد أن «يسعى المجلس إلى تقويض شعبية مرسي والإخوان». وأوضح أن «هذا الانقلاب لن يكون سريعاً، ولن يُقدم عليه المجلس، إلا بعد إضعاف الإخوان وسحب جزء من شرعية مرسي، الذي يستمد بعضها من وعوده الاجتماعية التي قطعها على نفسه، والتي قد يتجه المجلس إلى عرقلتها». أما الباحث في الشؤون السياسية بوحدة الدراسات المستقبلية في مكتبة الإسكندرية، محمد العربي، فكان له رأي مغاير. واعتبر أن «مصر أقرب إلى النموذج التركي في نسخة عام 1980، الذي يطلق عليه الحكم البريتوري، حيث كان الجيش جزءاً من بنية الدولة، مع سماحه بهامش من الحكم الديموقراطي الليبرالي بشكل ما»، مرجحاً أن «يكون سلوك المجلس العسكري مع مرسي مشابهاً لسلوك الجيش التركي مع نجم الدين أربكان»، مستبعداً حدوث صدام «صفري» بين الطرفين، لتوافقهما على ثلاثة مستويات هي، وضع الجيش وأهميته في مواجهة إسرائيل، ومسألة توزيع الثروة، وعدم المساس بالعلاقات الخارجية.
من جهة ثانية، استبعد العربي الوصول إلى النموذج الباكستاني، وذلك بسبب اختلاف طبيعة الدولة في مصر عن باكستان، تحديداً من حيث النشأة؛ فمصر دولة نشأت بشكل طبيعي، وكان الجيش العمود الذي قامت عليه، ومع هذا كان هناك جهاز بيروقراطي مدني في غاية القوة والفاعلية، فضلاً عن الطبيعة الاجتماعية للدولة، فيما الدولة في باكستان نشأت عن طريق الانفصال عن كيان أكبر وهو الهند عام 1947على أساس ديني ـــــ عرقي، وكان الجيش الركن الأساس في بناء الدولة، حيث يقال إن باكستان هي جيش نشأت له دولة، وهو ما يجعلها تتقارب في هذه الصفات مع إسرائيل، بما يجعل هذا الجيش أهم رقم في أيّ معادلة سياسية، فيما تجربة دخول الجيش في السياسة في مصر كانت لظرف تاريخي معين».