صنعاء | التفجير الانتحاري الذي حدث ظهر يوم الأربعاء في صنعاء، وأودى بحياة عشرة جنود وقع أمام البوابة الجنوبية لكليّة الشرطة. هي نفسها الكلية التي تقع على بعد عشرات الأمتار من أكبر مقبرة في صنعاء، «مقبرة خزيمة»، لن تكون هناك صعوبة في نقل الشهداء إلى قبورهم، فالمسافة التي تفصلهم عنها ليست بالبعيدة. لن يكون الأمر مكلفاً أو باعثاً على عناء وجهد ينبغي فعلهما هنا.
لكن التفجير الانتحاري لم يكن التفجير الوحيد الذي شهده اليمن في ذلك اليوم. فضمن مسافة لا تبعد كثيراً عن نفس المكان، يقع مبنى مجلس النواب اليمني. وفي توقيت مواز تقريباً لحدوث الانفجار الانتحاري، كان عضو المجلس التابع لحزب المؤتمر الشعبي العام، الشيخ محمد ناجي الشائف، يحدث انفجاراً في ذلك المبنى عندما هدّد بـ «تربية وزير المالية» صخر الوجيه، جراء خلاف كلامي بينهما، بعدما رفع الأخير يده طالباً نقطة نظام اعتراضاً على كلام قاله النائب عن رئيس الحكومة، لكنه لم يتوقف هنا؛ لقد تهجم على شخص رئيس مجلس الوزراء محمد سالم باسندوة نفسه، الذي لم يكن حاضراً الجلسة، وقال الشيخ النائب بصوت مرتفع: «نريد أن يحكمنا رئيس وزراء يمني لأن من يرأس الحكومة أريتري أو صومالي».
كلام عنصري فاقع، لم يجد أغلب النوّاب حلاً للرد عليه غير الانسحاب من الجلسة، بعدما رفض قائله الاعتذار عن العبارات التي قذف بها لسانه في حق رئيس الوزراء، لكن ما أشبه الليلة بالبارحة. لقد ظهر كلام النائب الشيخ كنسخة مكررة من تصريحات قالها الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في حق رئيس الوزراء الحالي يوم كان رئيساً للجنة الحوار الوطني في نهاية العام المنصرم. يومها قال المخلوع على لسان مصدر في الحزب الحاكم «إن باسندوة آخر من يعلم في شؤون اليمن وليس له أي صلة بها». وأضاف «ومن الأفضل له أن يواصل اهتماماته بالشؤون الصومالية الخبير فيها». كلام عنصري يخرج من ذات المصدر والمرجعية المتخصصة في الشأن العنصري تجاه شخصيات، يعتقد القائمون بأمور حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان حكاماً، أنها هبطت من المريخ على أرض اليمن السعيد كي تأخذ منه سعادته ورفاهيته المفترضة التي يعيش فيها.
فعندما كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح يقف عاجزاً أمام محاورة شخص معارض له ولسياسته يقول له مباشرة: «أنت صومالي أو حبشي أو أريتري، ارجع إلى بلادك». قالها صالح للمعارض حسن باعوم، القائد الشعبي للحراك الجنوبي، كما قالها للبروفيسور أبو بكر السقاف، أحد أهم معلمي الفلسفة في جامعة صنعاء. ولم يتردد صالح في ترديدها على مسامع علي سالم البيض، نائبه السابق، عندما وصل الحوار بينهما إلى طريق مسدود في نهاية عام 1993.
هذه العنصرية لا تتوقف عند حدود منطقة المشيخة والرئاسة السابقة بل تصل إلى حدود الشارع. كأنه شارع عنصري بطبعه. يعجز هذا الشارع عن منافسة القوى البشرية الأفريقية من خارج الحدود اليمنية، ويعتقد أنها تنافسه في لقمة العيش عبر حصولها على وظائف عالية في منظمات دولية وشركات نفط تعطي مرتبات عالية وبالعملة الصعبة. وهذا لأنها كوادر مؤهلة وتمتلك من الخبرات ما يؤهلها لشغل تلك الوظائف، لكن الشارع اليمني يتغاضى عن مؤهلاتها ويكتفي برميها بكلامه العنصري. عنصرية موجهة تجاه ذوي البشرة السوداء حصرياً دوناً عن غيرهم. فلا يلاقي الأجانب من أصحاب البشرة البيضاء نفس هذه العنصرية. كأن الشارع اليمني يجد عقدة نقص في داخله تجاه البشرة البيضاء فقط.
وهناك أبعد من هذا. عندما حصلت عملية انتحارية في مدينة عدن في حزيران الماضي وأدت إلى استشهاد قائد محور المنطقة الجنوبية سالم القطن، انتشر كلام بسرعة الريح، وصل إلى مسامع الشارع المتلهف لأي حافز يدفعه باتجاه هجمة عنصرية جديدة. قيل يومها إن منفذ تلك العملية الانتحارية شخص صومالي يحمل بشرة سوداء. ومن غير تحليل أو انتظار لتحقيق رسمي في ظروف العملية، صدّق الناس هذا الكلام وتعاملوا معه. إنه صومالي وانتهى الأمر، وعليه ينبغي أن يتم التعامل مع كل الصوماليين الموجودين على الأراضي اليمنية. هي الحرب إذاً ضد كل صومالي. ولم تتأخر إرهاصاتها في الظهور. ففي نفس ذلك اليوم، انتشرت أخبار عن ردود أفعال قام بها يمنيون تجاه كل من يحمل بشرة سوداء. فكل واحد ببشرة سوداء هو صومالي أو أريتري أو حبشي بالضرورة. فتم طرد كثيرين من منازلهم التي يستأجرونها بطريقة نظامية. في مدينة ذمار (جنوب صنعاء)، جرى تجميع عدد كبير من ذوي البشرة السوداء في أحد المعسكرات النائية وحجز حريتهم خارج القانون. السيناريو نفسه تكرر بعد دقائق قليلة من حدوث الانفجار الانتحاري بكلية الشرطة في صنعاء يوم أول من أمس. يقول سائق تاكسي، من غير تفكير أو دراية بملابسات الحادث، «أكيد هو صومالي انتحاري من قام بهذه العملية»، وكأن الصوماليين قتلة بالفطرة وأصحاب الجنسية اليمنية ملائكة ولا يمتلكون أفكاراً شريرة أو نوايا قاتلة! هو الصومالي هنا أو أي صاحب بشرة سوداء ومتهم بالضرورة. وعلى نحو مسبق، هو قاتل بحسب الدماء غير النقية التي تجري في دمائه، وتدفعه إلى قتل أيّ يمنيّ يقف أمامه.
لكن المفارقة أن الكلام العنصري الذي وجهه النائب الشيخ الشائف بحق رئيس الحكومة اليمنية محمد سالم باسندوة استتبع ردود أفعال واسعة. برقيات تضامن واستنكار. انسحاباً جماعياً من جلسات مجلس النواب احتجاجاً على كلام الشائف، لكن كل هؤلاء صمتوا عندما جاء نفس هذا الكلام من جهة الرئيس السابق علي عبد الله صالح. لقد صار باسندوة اليوم رئيساً للوزراء واختلف الأمر برمته. فهل ينبغي أن يصبح اليمني رئيساً للوزراء كي يجد تضامناً وحماية من العنصرية التي تأتي إليه من الشارع، ومن مجلس النواب على حد سواء. يبدو أن اليمنيين صاروا بحاجة إلى ثورة أخرى ضد عنصريتهم كي تكون ثورتهم كاملة.



أذى من دون عقاب


كان أثرياء اليمن يتفاخرون بأنهم يحسنون التعامل مع «الشغالات» الإثيوبيات اللاتي يعملن في قصورهم على عكس المعاملة التي يلقينها هؤلاء النسوة في باقي البلدان العربية، لكن القصص التي بدأ الإعلام بالحديث عنها تقول عكس هذا. سجيه (25عاماً)، فتاة إثيوبية مسيحية، قدمت إلى اليمن للعمل كـ «شغالة» لدى إحدى العائلات. تركت وطنها وزوجها وابنتها الوحيدة بحثاً عن مصدر حياة. عند وصولها لدى هذه العائلة واجهت معاملة وحشية، إضافة إلى حالة ازدراء.
في يوم 21-8-2011 تم تبليغ أحد أقسام الشرطة أن هناك جثة لمواطنة إثيوبية في أحد المستشفيات بصنعاء. تقرير الطبيب الشرعي، أوضح أن المجني عليها عُذبت بشكل وحشي وبإطفاء أعقاب السجائر على يدها وجسدها. ونظراً لأن والد المتهم يعمل في السلك القضائي، فقد جرى إيقاف التحقيق وإخراج المتهمين من سجنهم.
أما جثة الفتاة، فلا تزال في المستشفى، فيما يطالب أهلها فقط بدفنها في بلدها في ظل تخاذل الجهاز القضائي في بت القضية. هي قصة واحدة من عديد قصص ستظهر تباعاً، وتقول إن هناك حياة سفلية تقيم في اليمن ولم يكن أحد يعلم عنها شيئاً.