منذ اعتقال الزعيم الديني المعارض نمر باقر النمر، والاحتجاجات في المنطقة الشرقية في السعودية بتصاعد يُنذر بتطور الأمور نحو مزيد من العنف، بحيث ألقى مجهولون، أمس، زجاجات حارقة على مقر محكمة القطيف، عقب مقتل مواطن قبل يوم برصاص أمني. هذا على المستوى الميداني، أما على الصعيد الدبلوماسي، فإن ما يشي بخطورة ما يجري التصريحات الروسية المنتقدة لطريقة تعامل السعودية مع الأحداث وإرسالها إشارات تحذيرية عبر الإعراب عن قلقها على استقرار المملكة، وهو ما دفع الرياض إلى فورة غضب غير معتادة مع الدبلوماسية السعودية الصامتة، وقولها إن تصريحات موسكو تهدف إلى صرف الأنظار عن المجازر المرتكبة في سوريا. وبخصوص التطورات على الأرض، أعلنت مصادر حقوقية أن «الزجاجات الحارقة (المولوتوف) أُلقيت وسط الباحة الخارجية لمجمع المحاكم العامة في مدينة القطيف، ما أدى إلى احتراق مظلات بلاستيكية كانت تغطي مواقف السيارات في الباحة الخارجية للمحكمة»، فيما أكد مصدر في الدفاع المدني في المنطقة الشرقية أن «الحريق نشب في المظلات التي تستخدم لمواقف سيارات القضاة في المحكمة».
وكانت تقارير إعلامية قد ذكرت أنّ محكمة القطيف بدأت النظر قبل مدة في «عشر قضايا على خلفية أحداث الشغب»، مشيرة الى صدور بعض الأحكام، متوقعة صدور أحكام أخرى خلال الأسبوع الحالي. وأشارت الى أن المحكومين «تم إطلاق سراحهم في وقت سابق بموجب كفالة».
وفي السياق، أفاد ناشطون بأن «مجهولين درجوا في الآونة الأخيرة على إغلاق العديد من الشوارع الرئيسية في المنطقة بإطارات مشتعلة صاحبها تدمير للإشارات الضوئية الخاصة بحركة المرور».
وقبل يومين، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي، في بيان، أن «أربعة من الملثمين المسلحين راكبي الدراجات النارية تسللوا الى مركز شرطة العوامية، وألقى أحدهم قنبلة مولوتوف، في حين باشر الآخرون إطلاق النار باتجاه المركز، وقد تعاملت معهم حراسات الموقع ما نتج منه مقتل أحدهم وفرار الباقين». وبذلك، يرتفع الى عشرة عدد الذين سقطوا في القطيف منذ تشرين الأول من العام الماضي بسبب الاحتجاجات. وأضاف المتحدث السعودي أن «قوات الامن لن تتهاون مع مثيري الشغب، وخصوصاً المسلحين منهم»، مناشداً «العقلاء الأخذ على أيدي هذه الفئة التي تحاول جر أبناء البلدة إلى ما لا تحمد عقباه». كذلك قال التركي في بيان آخر إن «دوريتي أمن ببلدة سيهات تعرضتا لإطلاق نار من ملثمين مسلحين من راكبي الدراجات النارية ما أدى إلى إصابة أربعة من رجال الأمن».
وعزا 37 من رجال الدين الشيعة في القطيف «التوتر الى سياسة التمييز الطائفي التي مورست لعقود طويلة من الجهات الحكومية والدينية الرسمية». لكنهم شددوا في بيان على «النأي عن وسائل العنف»، داعين الشبان الى «عدم الرد على استفزاز البعض وجركم الى العنف لوصم حركتكم بالارهاب. أنتم أصحاب حق فلا تفسدوا حقكم بفساد الوسيلة التي تطالبون بواسطتها بهذا الحق». وطالبوا بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
وإزاء هذه التطورات المتسارعة في المنطقة الشرقية، دخلت موسكو على الخط لتعرب عن قلقها الشديد إثر قمع الاحتجاجات. وأعرب مفوض وزارة الخارجية الروسية لحقوق الإنسان كونستانتين دولغوف عن «قلقه الشديد حيال مقتل شابين في القطيف إثر توقيف رجل دين شيعي متشدد»، نمر النمر. وأشار إلى «مخاوف بشأن استقرار المملكة»، داعياً الرياض الى التحرك تجنّباً لصراع طائفي وضمان «احترام حقوق الانسان وضمنها حرية التعبير».
التصريحات الروسية أثارت غضب الرياض، حيث أعلن مسؤول في وزارة الخارجية أن السعودية «اطلعت باستهجان واستغراب شديدين على التصريحات التي تشكل تدخلاً سافراً وغير مبرر بأي حال من الأحوال في شؤون المملكة، ويتنافى في الوقت ذاته مع الأصول والقواعد السياسية والدبلوماسية».
وأشار إلى أن حكومة المملكة «تستنكر هذا التصريح العدائي، وتودّ أن تذكر المسؤول الروسي بأنها كانت ولا تزال حريصة على احترام قواعد الشرعية وسيادة الدول واستقلالها، بما في ذلك حرصها على عدم التدخل في شؤون روسيا، وسياساتها في التعامل مع الاضطرابات داخل حدودها والتي أودت بأرواح العديد من الضحايا». وأضاف «تأمل المملكة ألا يكون صدور مثل هذا التصريح الغريب يهدف الى صرف النظر عن المجازر الوحشية والشنيعة التي يمارسها النظام السوري ضد شعبه، وبدعم ومساندة لأطراف معروفة تعرقل أي جهد مخلص لحقن دماء السوريين».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)