رام الله | n عليك أن تلغي 60 في المئة من استعمال السيارة، وأن تنسى وجبة الفطور في المكتب، أما وجبة الغداء، فلا تذكر فيها أمر اللحوم والدجاج. وبخصوص ما يسمى بالفواكه، فهم يقاطعونها كما يقاطعون البضائع الإسرائيلية، حتى السيجارة عليك أن تحسب لها ألف حساب، وربما عليك أن تبدأ بالتفكير في تغيير نظامها ليصبح على «الساعة»، علّك تستطيع أن توفر القليل لتدوم معك أكثر.
هذه هي حال أسامة وزوجته وبناتهما الثلاث. عائلة من مدينة رام الله، بحيث يعمل أسامة وزوجته في وزارات السلطة الفلسطينية، ولم يحصلا على رواتبهما كاملة حتى الآن. التقت «الأخبار» أسامة وقد بدا هادئاً. تحدث عن انقطاع الرواتب بالقول «عادة ما يكون الانقطاع لفترة قصيرة، عدا المرة الوحيدة التي كان الانقطاع فيها لشهور طويلة إبان رئاسة اسماعيل هنية للحكومة الفلسطينية». وأضاف أن «التكافل الاجتماعي يسد الثغرة، فالجميع يتفهمون الأمر. أولاً تعيش حالة الكفاف ويفهمك من أنت ملتزم معه شهرياً بأقساط، لكن الذي لا تستطيع أن تتفاداه هو حجم الخجل، والغضب، والاحباط، والقهر، خصوصاً مع أطفالك».
ويتابع أسامة سرد معاناته، ويقول «لأننا نعيش في عمارة فيها سكان متفاوتو الدخل، وأطفال يلعبون مع بعضهم البعض كل يوم، فهو أمر يلزمك بميزانية أو ضريبة يومية لهم لا تستطيع إلغاءها أو التلاعب بها. قد يكون بالإمكان أن تعذرني المراهقة من بناتي لأنها تتفهم ما نمر به، وتنسحب من بين أصدقائها في هذه الظروف، لكن الأطفال لا يتفهمون وليس مطلوباً منهم ذلك». ويضيف «فكرنا مراراً أنا وزوجتي بتغيير مصدر دخل أحدنا، لكن الأمر ليس سهلاً بالمطلق، فالبلد ليس فيه أشغال أصلاً، وأنا الموظف لا يمكن أن أعيش بدون قروض، وبالتالي فإن الأقساط الشهرية تنهكني، وتجعلني حبيس الراتب». أما أكثر ما يغضب أسامة فهو «انك تعلم أن راتبك هو أمر سياسي بامتياز، ومرتبط بلاعبين معينين في مكان وزمان معينين، وخصوصاً أن كل شيء في فلسطين مرتبط بالسياسة».
من جهته، قرر وزير المال الجديد في الحكومة الفلسطينية نبيل قسيس، صرف 60 في المئة من رواتب الموظفين، مشيراً الى أنها ستقدر بما لا يقل عن 2000 شيكل أي ما يقارب 500 دولار أميركي. وقال قسيس إن سبب عجز الحكومة عن سداد كل فاتورة الموظفين يعود إلى «عدم وفاء الدول المانحة بتعهداتها، اضافة إلى أن مواردنا تأتي من مصادر لا يتحكم بها». وأكد أن «توفير الرواتب يقع في مقدمة أولويات الحكومة لكن هناك التزامات أخرى علينا الوفاء بها، كديون القطاع الخاص التي تصل الى نحو 443 مليون دولار».
وشرح الوزير الفلسطيني القليل عن الدعم المتوقع بالقول إن «للأوروبيين برنامجاً للدعم يلتزمون به، لكن هناك بعض المعوقات في الدعم؛ فالولايات المتحدة تقدم سنوياً مبلغاً لدعم السلطة الفلسطينية، لكنه حتى الآن لم يصل، كما أن هناك جهات عربية تأخرت في الايفاء ببعض تعهداتها»، مشيرا إلى أن «اجمالي المساعدات التي وصلت حتى اللحظة بلغت 466 مليون دولار».
وحول فكرة الاقتراض من البنوك، أوضح قسيس أنه «في حال الاقتراض من البنوك نستطيع دفع راتب هذا الشهر لكن هذا الحل لن يجدي نفعاً في الشهور المقبلة ولن يحل الأزمة؛ لذلك كان الحل في دفع 60 في المئة من الرواتب. كذلك دعونا البنوك الى التسهيل على الموظف عبر منحه قروضاً وما إلى ذلك».
وبيّن قسيس أن من بين «الايرادات المحلية هناك المقاصة التي تأتي من غزة، حيث يجري تحسين العمل على معبر كرم أبو سالم، لكن ما يأتي الآن من القطاع لا تتجاوز نسبته 4 في المئة، في حين أن هذه النسبة في السابق كانت تصل الى 24 في المئة»، مضيفاً «أما ضريبة الدخل فمردودها أصبح قليلاً جداً، والتي تشكل 6 في المئة من قيمة الايرادات المحلية، أي ما يقارب 550 مليون شيكل».
وأكد قسيس خلال لقائه مجموعة من الصحافيين في رام الله، أن «قيمة المقاصة التي تأتي من اسرائيل تبلغ ما يقارب 500 مليون شيكل، لكن الحكومة الاسرائيلية تقتطع منها ما يقارب 100 مليون شيكل لاستيفاء فاتورة الخدمات الصحية التي تقدمها للمرضى الفلسطينيين، وايضا من اجل استيفاء قيمة فاتورة الكهرباء والمياه، وبالتالي فإنه لا يمكن في ظل هذه المعطيات دفع فاتورة الرواتب كاملة كونها تبلغ 200 مليون دولار للرواتب وأشباه الرواتب كالشؤون الاجتماعية»، كما أن «المصاريف التشغيلية للسلطة الفلسطينية لعام 2012 بلغت 13 مليار شيكل». وشدد على أنه «إن كان تأخير المنح الدولية لسبب سياسي فنحن مستعدون لأن ندفع ثمن مواقفنا السياسية».
ونفى وزير المال ما يشاع حول وجود أموال في خزينة السلطة، وأن البعض يستخدم هذه الورقة بهدف تحقيق مكاسب سياسية، متهما من يطلق مثل هذه الشائعات بأنه الشخص غير المسؤول «فنحن لا نلعب بمقدرات الناس». وأكد «من غير الممكن لدولة تحت الاحتلال أن تعتمد كلياً على مواردها الذاتية، يجب أن نحاول، لكننا سنبقى بحاجة للمساعدات ما دمنا تحت الاحتلال».




جديد الأزمة المالية ورواتب الموظفين الفلسطينيين، هو المنحة السعودية التي أُقرّت بقيمة 100 مليون دولار أميركي، وهو ما أكده مدير مركز الإعلام الحكومي، غسان الخطيب لـ«الأخبار» بقوله إن «استكمال فاتورة الرواتب للشهر الحالي سيتم فور وصول الحوالة السعودية». وأضاف أن «هذه المنحة ستحل جزءاً من أزمة السلطة حالياً لكن الأزمة مستمرة ولن تنتهي بهذه الحوالة أو في القريب العاجل».