على الغلاف | عند الساعة الثانية عشرة ظهراً كان الخبر العاجل الأول: «تفجير انتحاري عند مبنى الأمن الوطني في دمشق». كان من الممكن للخبر أن يكون عادياً في إطار سلسلة التفجيرات التي شهدتها دمشق، ومختلف الأراضي السورية، منذ بداية الأزمة. غير أن التفاصيل التي تلت جعلت من الخبر حديث الساعة السابقة واللاحقة، بعدما تبين أن من سقطوا في الحادث لم يكونوا عابري طريق، بل أركان من النظام في داخل المبنى «أثناء اجتماع وزراء وعدد من قادة الأجهزة الأمنية المختصّة»، بحسب ما أفاد التلفزيون السوري.
«مقتل وزير الدفاع داوود عبد الله راجحة». هذا كان الإعلان الرسمي الأول، ليليه إعلان آخر عن مقتل نائب رئيس الأركان العامة في الجيش آصف شوكت، ثم معاون نائب رئيس الجمهورية، رئيس «خلية الأزمة»، العماد حسن توركماني، بعدما تم تأكيد إصابة وزير الداخلية محمد الشعار، ورئيس مجلس الأمن القومي هشام اختيار.
ومع تأكيد أخبار الاغتيال، بقيت رواية التفجير الانتحاري غير ثابتة، مع ظهور روايتين، إذ قال مصدر أمني سوري لوكالة «فرانس برس» إن «انتحارياً فجّر حزامه الناسف داخل القاعة التي كان يجتمع فيها وزراء وقيادات أمنية في مبنى الامن القومي». وأوضح أن الانتحاري هو مرافق أحد المشاركين في الاجتماع. إلا أن مصدراً أمنياً آخر أفاد «فرانس برس»، في وقت لاحق، بأن «أحد المرافقين أدخل حقيبة مليئة بالمتفجرات إلى قاعة الاجتماعات، ونجح المرافق في الخروج قبل التفجير الذي تم عن بعد».
في المقابل، أعلنت جماعتان سوريتان مسؤوليتهما عن تفجير دمشق، وقالت جماعة «لواء الإسلام»، في بيان نشرته على صفحتها على فايسبوك، «نبشر أهل بلاد الشام وأهل العاصمة خاصة بأنه تم بحمد الله وتوفيقه ومدده استهداف مكتب الامن القومي، والذي يضم مكتب ما يسمى خلية إدارة الازمة في العاصمة دمشق بعبوة ناسفة من قبل كتيبة سيد الشهداء التابعة للواء الاسلام». وأضاف أن التفجير أدى إلى «قتل عدة أشخاص من أعمدة النظام ودعائمه الكبار».
وأكد متحدث باسم جماعة «لواء الإسلام» إعلان المسؤولية، لكنه نفى أن يكون هجوماً انتحارياً. وقال المتحدث الذي لم يذكر من اسمه سوى أبو عمار، «نعم نفذنا الهجوم لكن لم يكن هجوماً انتحارياً، تمكّن رجالنا من زرع عبوات ناسفة في المبنى من أجل الاجتماع، كنا نخطط لهذا منذ أكثر من شهر».
بدوره، أعلن المتحدث باسم «الجيش السوري الحر»، قاسم سعد الدين، مسؤولية «جيش المعارضة» عن الهجوم، مضيفاً أن «هذا هو البركان الذي كانوا تحدثوا عنه وأنه بدأ للتو».
من جهتها، أكدت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية، في بيان، أن «استهداف مبنى الأمن القومي بتفجير إرهابي هو تصعيد إجرامي جديد، تنفذه الأدوات المأجورة المرتهنة لمخططات خارجية». وأضاف البيان أن القيادة العامة للجيش «إذ تزف شهداءها الابطال، فإنها تؤكد إصرارها على القضاء المبرم على عصابات القتل والإجرام وملاحقتهم أينما فروا، وإخراجهم من أوكارهم العفنة وتطهير الوطن من شرورهم». وقالت القيادة، في بيانها، «إذا كان هناك من يظن أنه باستهداف بعض القادة يستطيع ليّ ذراع سوريا فإنه واهم، لأن سوريا شعباً وجيشاً وقيادةً هي اليوم أكثر تصميماً على التصدي للإرهاب بكل أشكاله، وعلى بتر كل يد يفكر صاحبها بالمساس بأمن الوطن».
وفور تأكيد مقتل راجحة، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسومين بتعيين العماد فهد الجاسم الفريج وزيراً للدفاع ونائباً للقائد العام للقوات المسلحة. وأكد العماد الفريج، في أول تصريح له، أن «رجال القوات السورية المسلحة لن يثنيهم العمل الإرهابي الجبان عن متابعة مهماتهم المقدسة في ملاحقة فلول العصابات الإرهابية المجرمة، وبتر كل يد تمتد بسوء إلى أمن الوطن والمواطنين».
وفي السياق، أكد وزير الاعلام السوري عمران الزعبي أن «التفجير الإرهابي يعبّر عن شعور أعداء سوريا بالعجز والإحباط تجاه قوة الجيش العربي السوري وتماسكه، بعدما فشل الإرهابيون وداعموهم في ضرب وحدة هذا الجيش المتماسك بعقيدته وعتاده وعدته»، مؤكداً أن «سوريا لن تدع القنوات التي أوغلت في الحرب الإعلامية ضد الشعب السوري تفلت من جريمة التحريض، وسيتم العمل على مقاضاتها».
على المقلب الآخر، كانت تصريحات أركان المعارضة تهلل للهجوم. وقال رئيس المجلس الوطني السوري، عبدالباسط سيدا، إن تفجير دمشق «سيعجّل بنهاية الانتفاضة ضد الأسد». وأضاف أن «هذه هي المرحلة الأخيرة، وأنّ النظام سيسقط قريباً جداً، وأنّ هذا اليوم يمثل نقطة تحول في تاريخ سوريا، سيحقق نهاية سريعة جداً في غضون أسابيع أو شهور». أما جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، فرأت «أن الدلالات الأمنية والسياسية لهذا الاختراق الأمني الكبير تؤكد أن النظام أصبح في خطورة الذئب الجريح»، فيما تناوب المعارضون على الظهور على شاشات التلفزة العربية والغربية لشرح العملية وتداعياتها.
أصداء التفجير ترددت خارجياً أيضاً وطغت على كافة المواقف الدولية، وأدى إلى تأجّيل التصويت في مجلس الأمن على مشروع القرار الغربي بشأن سوريا حتى اليوم، بعدما دعا مبعوث الأمم المتحدة كوفي أنان إلى إرجاء الاجتماع الذي كان مقرراً لاتخاذ قرار بشأن الوضع في سوريا، أمس.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أعلن أن بلاده لن تغيّر موقفها تجاه سوريا في مجلس الأمن بعد تفجير مبنى الأمن القومي في دمشق، فيما اعتبر الناطق الرسمي باسم الوزارة الكسندر لوكاشيفيتش التفجير «إرهابياً»، وأعرب عن الأمل بمحاسبة مرتكبيه.
كذلك جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في وقت سابق أمس، موقف بلاده الرافض لتبنّي مجلس الأمن الدولي قراراً يعطي الضوء الأخضر لعملية عسكرية في سوريا، ودعا الدول الغربية إلى تهدئة المعارضة السورية بدلاً من تحريضها، مؤكداً أن روسيا لا تدافع عن النظام السوري. وأضاف لافروف، عن الوضع الميداني، «إنها معركة على العاصمة، هناك قتال حاسم يجري في سوريا»، فيما أقرّ الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما، في اتصال هاتفي مساء أمس، بأن الوضع في سوريا يتّجه نحو التدهور. ونقلت وكالة «أنترفاكس» الروسية عن الناطق الإعلامي للكرملين، ديمتري بيسكوف، قوله للصحافيين إنه «لا يزال هناك اختلاف في المقاربة المتعلقة بالإجراءات العملية لتحقيق هذه التسوية».
وفي مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في موسكو، قال بوتين إن «روسيا ترحب بتأييد تركيا لقرارات جنيف، ويعدّ ذلك أساساً جيداً لتنسيق المواقف في المستقبل». من جهته، قال أردوغان إنه على ثقة بأن من الممكن تحقيق النتيجة على أساس اتفاقات جنيف، معتبراً هذه الاتفاقات «خريطة طريق مهمة». وأضاف «نحن نعارض بشكل قاطع أي انتهاك لوحدة الأراضي السورية»، وأشار إلى أنّه «يجب أن تتحقق في سوريا إرادة الشعب وحده، ونرغب في أن يقرر مصير سوريا ما بعد الأسد الشعب السوري بالذات».
من جهته، صرّح وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البريطاني فيليب هاموند، أنّ «من الواضح أن ما يحدث في سوريا يمثل تصعيداً حقيقياً للقتال». وأضاف «لقد أعربنا عن ضرورة تنحّي الأسد وضرورة الانتقال السلمي، وضرورة تحقيق حلّ سلمي لذلك الوضع. وبسبب تجاهل المجتمع الدولي لتلك النداءات تدهور العنف هناك، وزاد عدد من فقدوا أرواحهم». وحذر بانيتا من أن الوضع في سوريا «يخرج عن السيطرة بشكل متسارع».
كذلك أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، أنّ «الفرصة تضيق» أمام التوصل إلى حل سلمي للصراع في سوريا، وأنه لا يعلم مكان الرئيس بشار الأسد بعد تفجير دمشق، بينما قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن الهجوم على المبنى الأمني في دمشق يظهر الحاجة إلى انتقال سياسي عاجل في سوريا. وأضاف، قبل جلسة استماع في مجلس الشيوخ الفرنسي، «نظراً إلى درجة العنف يصبح من الضروري والملح السعي إلى انتقال سياسي يمكن أن يتيح للشعب السوري أن تكون لديه حكومة تعبّر عن أعمق طموحاته». كذلك دان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ التفجير، وقال إنه يثبت الحاجة إلى قرار تحت الفصل السابع من مجلس الأمن.
وشددت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل على ضرورة استصدار قرار عاجل حول سوريا عن مجلس الأمن الدولي، بعد الإعلان عن التفجير في دمشق. وقالت ميركل، في مؤتمر صحافي مع رئيسة وزراء تايلاند ينغلوك شيناواترا، «هذا يثبت أن تبنّي الأمم المتحدة قراراً جديداً ضرورة عاجلة».
من جهتها، أدانت الخارجية الإيرانية، أمس، «بشدّة» الاعتداء الذي استهدف مبنى الأمن القومي السوري في دمشق، مؤكدة أنها تقف إلى جانب الشعب السوري وبرنامج الإصلاح الذي يقوم به الرئيس السوري بشار الأسد. وأكد مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، لقناة «العالم»، «فشل الجهات التي ترسل السلاح وتدعم الجماعات المسلحة في سوريا في سلب الأمن والاستقرار من هذا البلد».
إلى ذلك، أعلنت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أن وزراء الخارجية العرب سيعقدون اجتماعاً طارئاً في العاصمة القطرية الدوحة يوم الأحد المقبل لبحث التطورات السورية.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي، سانا)