القاهرة | «أولئك أمامهم ثلاثة حلول حصراً: اعتناق الإسلام أو المسيحية أو اليهودية». هكذا اختصر زعيم الأغلبية في مجلس الشورى علي عبد الفتاح، ما يجب على أفراد الأقلية البهائية في مصر القيام به. القيادي في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، لا يرى البهائية ديناً أصلاً لكونها ليست ضمن «الأديان الرسمية»، بحسب حديثه إلى «الأخبار»، وهي الأديان المعترف بها في مصر، أي الأديان السماوية الثلاثة.
ويضيف «بالقطع إذاً لا نية للاعتراف في الدستور الجديد بأي حق للبهائيين أو غيرهم من معتنقي العقائد غير السماوية بالاحتكام إلى شرائعهم... ربما يمكنهم فقط في هذا الصدد ممارسة تلك العقائد بعيداً عن المجال العام ودون أي محاولة للتبشير بها».
بدوره، يؤكد محمد عبد السلام، أحد ممثلي مؤسسة الأزهر في الجمعية التأسيسية، أن موقف الأزهر هو عدم الاعتراف بالبهائية في الدستور لكونها ليست ديانة سماوية، لتستبعد بذلك الأقلية البهائية نهائياً من حق الاحتكام إلى شرائعها، وفقاً للدستور الجديد في حال مرور النص ضمن الصياغة النهائية لمشروع الدستور، ثم مرر الدستور برمّته في الاستفتاء الشعبي المزمع لاحقاً عليه.
ومن المتوقع أن لا يطرأ أي تغيير على المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ولأتباع المسيحية واليهودية الحق في الاحتكام إلى شرائعهم الخاصة في أحوالهم الشخصية وممارسة شؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية».
في مقابل التضييق على البهائيين، يحتفظ اليهود بهذا الحق بالرغم من اندثار اليهودية عملياً من مصر. فمنذ عام 1967، الذي شهد احتلال اسرائيل لشبه جزيرة سيناء، كان هناك عدد قليل لا يكاد يذكر من اليهود في مصر، حسبما يقول جوئل بينين أستاذ التاريخ ومدير دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في القاهرة في كتابه «شتات اليهود المصريين».
ولا يمكن الجزم بأعداد الأقلية البهائية، كغيرها من الأقليات، كون الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لا يعلن عن نتائج أي إحصاء في هذا الصدد. ومن غير الواضح أصلاً إن كان يجريه من عدمه. إلا أن وجود البهائيين حقيقة واقعة، كون الانتهاكات بحقهم وردود أفعالهم حيالها شاهدة على ذلك.
فاللجنة الأميركية للحريات الدينية في العالم، وهي لجنة حكومية، قالت مثلاً في تقرير صدر قبل أيام إن «حكومة حسني مبارك (الرئيس المصري المخلوع) مارست لسنوات تمييزاً واسع النطاق بحق الأقليات والمجموعات الدينية من الشيعة المسلمين إلى البهائيين، بخلاف الأقباط، وسمحت للإعلام التابع للدولة والمساجد المموّلة منها بالدعاية المحرضة ضدهم».
وفي تقريرها الأخير، قالت اللجنة إن مصر أوقفت كل المؤسسات البهائية والنشاط المتعلق بالطائفة منذ بداية عام 1960، واعتقلت السلطات بهائيين على خلفية عقيدتهم الدينية. وفي عام 2009، قضت المحكمة الإدارية العليا بعدم النص في بند الديانة في أوراقهم الثبوتية على أي دين. ويواجه البهائيون عنفاً مجتمعياً. كما أن ممثلي الطائفة لم يتوصلوا إلى حلول لأزماتهم على المدى الطويل، بالرغم من لقاءات ضمتهم مع الحكومات الانتقالية بعد الثورة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
على أن ما يشير إليه التقرير من حكم القضاء الإداري، كان يعدّ وقتها انتصاراً للبهائيين الذين كانوا يضطرون للنص على الإسلام أو المسيحية أو اليهودية في خانة الديانة في الأوراق الثبوتية.
ويشدد ناصر أمين، وهو مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، في حديثه إلى «الأخبار» على التزامات مصر الدولية المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وقّعت عليه. ويلفت إلى أن البند 19 منه ينص على احترام الحق في المعتقد، وهو ما يسري على كل المعتقدات الدينية، كما يسري على الحق في عدم الاعتقاد فيها كذلك.
ويؤكد أمين أن موقف مجلسه في هذا الصدد كان واضحاً في التحذير من تراجع مصر عن أي من التزاماتها الدوليه في صياغة الدستور الجديد. ويضيف أما النص على حقوق اليهود والمسيحيين في الاحتكام إلى شرائعهم فهو تحصيل حاصل كون لائحة المحاكم الشرعية، التي وضعت إبان الاحتلال البريطاني، تنص على عودة أصحاب الشرائع السماوية إلى أحكام دينهم في حال عدم وجود نص يحكم الأمر في الشريعة الإسلامية.