البقاع | ما تشهده الحدود اللبنانية السورية الرسمية، منذ يومين، يذكر بمشهد نزوح اللبنانيين منذ ست سنوات، إنما بمشهد معكوس. يومها كان النزوح شرقاً، أما اليوم فالنزوح غرباً، ليزدحم معبر المصنع اللبناني، ومعبر جديدة يابوس، بالنازحين السوريين القادمين إلى لبنان، على خلفية الاحداث الامنية المتنقلة في أحياء دمشق وريفها، إثر العملية الامنية في مبنى الأمن القومي والتي أودت بحياة عدد من كبار القيادات الأمنية السورية، وما تلاها من اشتباكات امنية بين الجيشين النظامي والحر. وأجبرت هذه الاشتباكات وصوت الرصاص والقذائف المتساقطة فوق البيوت، المئات من الأسر الشامية على النزوح عبر نقطتي جديدة يابوس والمصنع اللبناني، حتى امتدت طوابير السيارات على أربعة مسارات، إلى نحو 700 متر من باحة الأمن العام، التي ضاقت بالسيارات السورية الخاصة والعمومية، والعابرين الى ما بعد مدخل ساحة الشاحنات مئات الامتار.
نزوح العائلات بدأ مساء أول أمس، وحتى ساعات متأخرة من الليل، ليعود المشهد منذ ساعات الصباح الاولى، وتزدحم الساحة بالسيارات والنازحين، المتقاطرين وغالبيتهم من مدينة دمشق وريفها.
سمية، جلست أمام مبنى الأمن العام وحولها أطفالها الصغار. احتارت كيف تعبر عن سبب وجودها، وزيارتها لبنان، فقالت «جاي سياحة، بس ما بعرف المدة اللي بدي إبقى فيها عندكم بلبنان». تغرق عيونها بالدموع قبل أن تضيف «الله لا يورجيك اللي شفناه وأصوات المدافع». عبارة اختصرت فيها الحالة التي دفعتها للهرب. فبمجرد أن سمعت مكبرات الصوت تصدح في حي «مخيم اليرموك»، وتطلب من الأهالي ترك منازلهم، حتى حملت أطفالها، بما تيسر عليهم، وخرجت تفتش عن سيارة أجرة تنقلها الى لبنان.
وأضافت «أجرة الراكب 500 ليرة سورية ونحن ستة افراد»، موضحةً أن الأمن العام اللبناني تساهل معها، لكون أربعة من ابنائها ليس لديهم هويات، ولا إخراجات قيد، «معي بس دفتر عائلة. الضابط سهلّي الأمر».
حال محمد العبد الله القاطن في حي الصالحية، ليست أفضل من المئات المتوافدين إلى لبنان. قال وهو يجر معه ولديه بعدما سبق زوجته وذويها الى نقطة المصنع، «ولادي ارتعبوا من صوت المدافع والطيران الحربي، ما عاد في مجال للبقاء في حالة الخوف والذعر»، معرباً عن أمله أن يستقبله قريب له في بعلبك.
أما أم عبدو، فلم تكد تلفظ عبارة «بيني وبين الموت لحظة» حتى انهمرت دموعها. وأضافت «هرباني من الموت يا أخي». فهي لم تعرف كيف سنحت لها الظروف للخروج، من حي الحجر الأسود، ومعها بناتها، وأبناؤها الذين لا يتجاوز عمر كبيرهم 10 سنوات. تشرح كيفية تخطيها الحواجز الأمنية «التي تطوق جميع مداخل الحي» بينما الطيران والمدفعية تقصف. وتابعت «ما عم ترحم حد، وما بتعرف مين مع مين ومين ضد مين، صارت بلادنا متل مدينة الاشباح».
لم تقتصر حالات النزوح فقط على العائلات الفقيرة التي لا تعرف الى أي وجهة تنطلق، ما لم يكن لدى البعض منهم صلة قربى مع عائلات لبنانية، فبدا واضحاً أمس أن عائلات شامية ميسورة قدمت بسياراتها الفخمة. وقال أحد النازحين من كفرسوسة «الوضع مو سهل، والقتل صار طبيعي»، موضحاً أنه كان يتوقع معركة كبيرة في الشام. ويضيف «عشان هيك أنا من أربعة أشهر استأجرت بيت في بيروت، بالشهر 1200$، حتى ما أوصل لمطرح وانهان فيه».
أما الشاب حازم، الذي تبرع للحديث عن الوضع الامني في سوريا، فوضع حقيبة أمتعته جانباً، قبل أن يشير إلى أن «السوري أصبح أمام خيارين أحلاهما مر». وأضاف «إما أن يكون عوايني مع النظام وإما أن يكون مع الفوضى، ونحن جينا منشان ما نكون مع حدا». وعن الوجهة التي سيلجأ اليها في لبنان ما دام لا يوجد أماكن لإيواء النازحين، أشار إلى أنه اليوم، مضطر لأن يقيم عند أحد أقربائه في البقاع الغربي، وإذا طال الوضع فعليه أن يفتش عن عمل ومنزل الى حين «يرجع الهدوء للشام».
ودفع تدفق النازحين مندوبين من الأمم المتحدة للحضور إلى المعبر لتدوين ملاحظات حول حالات النزوح الى لبنان. كذلك استدعى الوضع من لجان المتابعة لاغاثة النازحين السوريين، العمل على تهيئة مدارس المقاصد الاسلامية الخيرية في مجدل عنجر، لاستقبال النازحين فيها، بعدما أصبح ايجاد شقة سكنية الأمر المستحيل، في غالبية المناطق البقاعية بعدما وصل إيجار الشقة إلى ما بين 400 و300 دولار في الشهر.
وفي ما يتعلق بتقديرات حركة العبور، تضاربت الأرقام. وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، أعلن بعد انتهاء اجتماع بينه وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المهجرين علاء الدين ترو خصص لبحث موضوع النازحين، أنه «منذ الساعة السابعة من صباح أمس حتى اليوم دخل إلى لبنان بحدود 8500 شخص من الحدود السورية بسبب الأحداث الأمنية في سوريا»، مؤكداً أن «هذا العدد إلى ازدياد والحكومة بدأت باتخاذ إجراءات سريعة على الحدود اللبنانية». وأشار إلى أن «وزير التربية والتعليم العالي حسان دياب كلف الاتصال بالمدارس في البقاع وعلى الحدود اللبنانية السورية لاستقبال اللاجئين»، لافتاً إلى أن «هناك من ليسوا بحاجة إلى مساعدة ويأتون عند أقاربهم، وهناك أعداد لا بأس بها نازحة وتحتاج إلى مساعدة».
في المقابل، أكد مصدر رسمي في الأمن العام أنه بين السادسة صباحاً والسادسة مساءً، دخل إلى لبنان 6 آلاف سوري في مقابل خروج ثلاثة آلاف باتجاه سوريا، في حين أكد موظف في الامن العام اللبناني، لـ«الأخبار» أن الحركة ازدادت بشكل ملحوظ في اليومين الأخيرين، ولا سيما من جهة الوصول، لتتعدى العشرين ألف عابر في اليوم. ولفت إلى أن غالبيتهم من العائلات النازحة.
وأضاف «هذا نتلمسه وندركه من بعض المشاكل التي نراها، حيث اضطررنا لاتخاذ اجراءات خارج الاطار المعتمد، بعدم التشديد على القسائم المفترض أن تقتطع عند الأمن العام السوري، والتي تخوّل صاحبها خروجه من سوريا الى لبنان، حيث هناك عائلات تقدم من دون قسائم، ومن دون هويات وحتى من دون اخراجات قيد». ومضى يقول «من الطبيعي في مثل هذه الحالات تسهيل عبورهم، بعد التأكد من دفتر العائلة الذي لديهم، وذلك بناءً على قرار من المدير العام».