وأنا مثلك لاجئ...
حبيبي اللاجئ الفلسطيني في لبنان. حبيبي ولا منّة في حبك. يعزّ عليّ أن أخبرك اليوم، مقهوراً، أن وجعك ما عاد يهزّني. ما عاد وقع أساك كما كان في قلبي. ما عادت كل تلك المقالات، المتحدثة عن ظلمك، قهرك، تهميشك ومحاولات إذلالك تفجعني. (لا نامت عين من يذلك). ما وددت العيش لمثل هذا اليوم. لكن، أنا الآن في الأسى مثلك، بل، وسامحني على جرأتي، أنا أكثر منك أسى. يا لنكد الدهر. ما ظننت أحيا ليوم أزايد فيه على مظلوميتك.

تريد دولة؟ هاك دولتي خذها. لست أمازح واللهِ. بـ«واسطة» مقدور عليها، نبدّل في دوائر النفوس، غداً، بطاقة «أرزتي» بكارتك «الأزرق». خذ دولتي، بلّها، ولكن لا تشرب ماءها. أخشى عليك من لعنتها. بالله عليك، وأنت الذي لا يبعد منزلك، في مخيم برج البراجنة، عن منزلي في البرج، سوى بضعة مئات من الأمتار، على أي الأشياء تحسدني؟ نحن في غياب الكهرباء واحد. مصدر التيار ذاته. ربما استطعت أنت، أو لاجئ سواك، شراء مولّد صغير لـ«القطعة». أنا لا أستطيع ذلك. لقد اعتدت، مكسور الخاطر، عيش الظلمات. أنا كل ليلة أذل على يد دولتي. أرى في العتمة نفسي كصرصار. أرأيت؟ تحدثني عن العمل والوظائف. صحيح، لقد منعوا عليك العمل في مجالات عدّة، فيما سمحوا لي، على الورق، بمزاولة كل الأعمال. لقد أباحوا لي سمك البحر، ولكنهم منعوا عني صنارة الصيد، فما نفع كل بحار العالم بعد؟ منعوا عني فرص العمل، التي تحفظ كرامتي، فما عملت في وظيفة، منذ أكثر من عقد، إلا كان «المعاش» يتبخّر قبل منتصف الشهر. أنا لا أملك بيتاً في وطني. عليّ أن أسدد أجرة الجدران والسقف نهاية كل شهر. قناعتي بأن لا وطن لمن لا بيت له. البيت هو الوطن الأصغر. أعلم أنك أنت، أو ربما لاجئ سواك، يقطن بيتاً بـ«ملكه». في المخيم صحيح، لكن، وخذها من مجرب وخبير، إن سكن الجحيم خير من وجّه «ملاك» يرمي عليك السلام، ثقيلاً، آخر كل شهر. أرأيت؟ منعوا عليك تملّك سيارة؟ أنا ما عدت أحلم بتملّك دراجة، هوائية لا نارية حتى، فألفت «عيش» الفانات والسرفيسات. بالمناسبة، لست من حملة عقد «العيب» كسواي، فلا أخجل بالفان، ولا حتى بركوب الحمار، الذي لا أملك ثمنه أيضاً. قيل لي إن سعر الواحد أكثر من 1000 دولار. ها أنا. أسمعت؟
عزيز عليّ أن أحدّثك أنت في هذا. ولكن من لي غيرك؟ أبناء الوجع على بعضهم يفهمون. اعذرني ها نحن ندردش. ما كنت يوماً إلا مناصراً لك، مدافعاً عنك، ولو بالكلمة. متضامناً ومتعاطفاً معك. لكن «دولتي» أعطبت عاطفتي. «فاقد الشيء لا يعطيه»... أنا فقدت الأمان الاجتماعي، الصحي، العملي، الأمني، التعليمي، النفسي.... فما عدت قادراً حتى على مواساتك. قلت لي إنك تريد «الشعور» بالانتماء إلى دولة. سأخبرك أمراً، أن لا يكون لك دولة، علناً، أفضل من أن تكون لك واحدة، تحسب عليها، فيما هي لا تعدو كونها مزرعة. أنت قد تتصالح مع نفسك في الفكرة، أما أنا فمحال، أنت العالم اعترف بقضيتك، جهراً أو صمتاً، أما أنا فلا من معترف لي بقضية. قضيتي وزير سارق، ونائب كاذب، وأمير حرب أخمد ناراً، كان أشعلها قبلاً، ثم صار عليّ حاكماً. انظر إلى قضيتي ما أسخفها. ستجد في العالم من يتضامن معك، ولو قلة، يقطعون المحيطات للوصول إلى أرضك، أما أنا فمن رحمة الأمم، بدولها وشعوبها، مطرود مطرود.
رجال الأمن في «مزرعتي» لطالما احتقروك. أعلم وقسماً بفلسطين. لكنك تعلم أنهم يجهدون لإذلالي يومياً على أبواب الإدارات وفي الطرقات. صحيح أن دوافعهم تختلف، لكنها، أياً تكن، تؤتي قهرها على أي حال. أنت تأخذ من جمعيات الأمم «صدقات». أنا آخذها أيضاً، ولكن من الزعماء، في كل موسم انتخابي، في كل مناسبة رعوية، وما زالت في دياري عامرة تلك اللعنات. «ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء». أنا في حال لا أُحسد عليها يا صديقي. حتى أنت لا يمكن أن تحسدني.
كيف صحتك؟ حدثتني عن الصحة. تعال معي إلى تلك الوزارة لنجري معاملة دخول مستشفى. تعال لأريك كمّ الذل الهابط على رؤوس المصطفين في طوابير. يا لسفالة ذاك الموظف الحكومي، ابن دولتي، الذي يشعرك بأنه يمنّ عليك من «بيت أبوه». هناك، وفي سواها من الإدارات، ستكره نفسك. ماء الوجوه هناك سيلها غزير. صحتي مثل صحتك: «مش
بخير».
لا تؤاخذني حبيبي. أطلت عليكِ في «نقّي». نحن في الهم واحد. لكن مهما حلك ليلي، ستبقى قضيتك، قدسك، وكل فلسطينك، ما حييت في وجداني.