الجزائر | حالة استنفار قصوى أعلنت في صفوف قوى الأمن من شرطة ودرك في العاصمة الجزائرية وضواحيها الليلة الماضية تحسباً لزحف كبير يشنه رجال «الحرس البلدي» إلى مقر رئاسة الجمهورية لطرح مطالبهم على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وجندت المديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك فرقاً متنقلة من مئات الأفراد لمواجهة الزحف ومنعه من بلوغه مقصده للمرة الثالثة خلال أسبوعين. ووضعوا حواجز على الطريق السريع الرابط بين العاصمة ومدينة بوفاريك، التي تحتضن اعتصام الغاضبين منذ الخميس الماضي. وتجمع نهار أمس ما يزيد على ألف فرد من هذا السلك الأمني الذي تأسس منتصف تسعينيات القرن الماضي خصيصاً لمواجهة الإرهاب، في مكان اعتصامهم على بعد 30 كيلومتراً غرب مدينة الجزائر للوقوف على آخر الترتيبات لانطلاق مسيرة عملاقة ليلاً سيراً على الأقدام.
وبالنظر إلى العدد الكبير من المحتجين المفترض مشاركتهم في المسيرة، وهو نحو ألفين، تناول مئات من أفراد فرق الأمن الساهرين على منع المسيرة وجبة الإفطار في العراء مخافة أن تتجاوزهم الأحداث. وكانت مجموعات من الحرس البلدي قد قدمت من كل ولايات القطر البالغ عددها 48 ولاية وتمركزت في مدينة البليدة على 50 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة. وتحركت قبل أسبوع لبلوغ قصر الرئاسة، لكن قوى الأمن أوقفتها في الطريق وعاد الجمع بعدها الى مدينة بوفاريك القريبة. وخلال المواجهات التي وقعت بين الفريقين، سقط جرحى وتوفي أحد أعضاء الحرس في المستشفى، قال رفاقه إنه قضى متأثراً بإصابة من عنف الدرك، فيما قالت السلطات إن الوفاة كانت بسبب أزمة صحية فاجأته وهو يشارك رفاقه في الاحتجاج. وكان مجندو الحرس البلدي قد اعتصموا العام الماضي في العاصمة وكسروا حظر التظاهر بها منظمين في حينه مسيرة حاشدة إلى مقر البرلمان. ورفعوا شكوى ضد وزارة الداخلية التي استغنت عن خدماتهم بلا مقابل، بينما كانوا قد جازفوا بحياتهم في سنوات المواجهة مع الجماعات الإرهابية وساهموا بقسط وافر في استرجاع الأمن. ويطالب المحتجون بمبالغ كبيرة تصل إلى 75 ألف دولار للواحد لقاء تسريحهم نهائياً، فضلاً عن راتب تقاعدي وحقوق سجلوها على لائحة قدموها قبل عام للحكومة. ويرفض أعضاء الحرس البلدي قرار السلطات بتوزيعهم على أجهزة أمنية أخرى بعد قرار حل الحرس البلدي نتيجة زوال مبرر وجوده وهو الإرهاب. وحتى مساء أمس، ظل الطرفان على موقفيهما. الحرس أكدوا على لسان ممثلهم، عليوات لحلو، أن المسيرة ستتواصل حتى تحقيق كل المطالب وأن التصعيد سيستمر. وقال، في تصريح للصحافة، «لن يردنا أحد. الشعب والله معنا لأننا أصحاب حق وما طلبنا غير ما نستحق». وأضاف «لن نتراجع، لقد شاركنا بقوة في إنقاذ الجمهورية من السقوط بين مخالب الإرهابيين الإسلاميين، صار واجباً علينا الدفاع عن حقوقنا أيضاً. لقد مررنا بتجربة قاسية ونحن نقاتل ونلاحق الإرهابيين في الجبال، فكيف تثنينا تهديدات مسؤولين لا يقدرون تلك التضحيات؟».
في المقابل، فاجأت وزارة الداخلية الجميع بنشر تفاصيل عن مرتبات المجندين والزيادات التي استفادوا منها في المدة الأخيرة بعد حركات الاحتجاج التي قاموا بها في الأشهر الماضية. وورد في بيان وزعته الوزارة أول من أمس أنها قبلت أكثر من 44 ألف طلب تقاعد تقدم بها أعضاء من الحرس مع استفادتهم من كل الحقوق التي يتضمنها القانون. وهذا السلوك غريب عن الداخلية، حيث كانت أجور ومنافع أسلاك الأمن طي الكتمان في العادة. ورفضت الحكومة طلب 75 ألف دولار كتعويض كونه لا يتوفر على أية أرضية قانونية، فضلاً عن أن تلبيته ستكون سابقة تمييزية بين قطاعات النشاط الخاضعة لقانون واحد. وينتظر أن تشهد الأيام المقبلة مزيداً من المواجهات والمشاحنات بين الجانبين لأسباب مادية بحتة. وقد قرأ بعض المحللين ما سموه تمديد أجل «أزمة الحرس»، معتبرين أن الحكومة تماطل في إنهاء نزع فتيل الأزمة في محاولة من السلطة لاستثمار ما يجري للتشويش على الحركات الاجتماعية الأخرى التي تقودها قطاعات حيوية، أهمها التعليم والصحة والإدارة العمومية والميكانيك والبناء والموانئ والسكك الحديد.
وهذه القطاعات معروفة بثقل دورها وبقيمة نضالاتها الاجتماعية. وعدد العاملين فيها يتجاوز المليونين ونصف المليون، وإضراباتها مؤثرة اقتصادياً وسياسياً. وسبق للعديد منها أن أعلن استعداده لاحتجاجات كبيرة.